الثورة أون لاين _ غصون سليمان:
عندما ترى الأشياء عن قرب تختلف لديك رؤى التفسير حول الصورة والمشهد فالواقع لم يعد في مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما كان سابقا قبل عشر سنوات، وأن المضمون أصبح مختلف الأبعاد بكل التفاصيل بدءا من الأسرة ومرورا بجميع حواضن المجتمع من المدرسة الى الجامعة والمؤسسة وغيرها.
عوامل مجتمعية طارئة أفرزتها تداعيات حرب عدوانية مجنونة أثرت سلبا على بعض العادات والتقاليد المألوفة فلم تعد المروءة تعني شيئا عند البعض وغدا الإيثار من الأحلام المرجوة ،ومفهوم التعاون ضرب من ضروب الحظ ، وإحساس الجار بالجار أو الناس ببعضها وان كانوا من طبقة واحدة ومجتمع جغرافي متقارب لكن الأمر في ميزان القيم بدأ يخضع لاعتبارات مادية بحتة طغت بسطوتها على مفاهيم و معايير كانت سائدة ، حيث الدفء بالعلاقات الاجتماعية وطريقة التعاطي بنقاء ومسؤولية من ناحية تقديم العون والمساعدة دون مقابل أو أي تبرير لأشياء أخرى .
لقد ساهمت ثقافة الأمر الواقع والهروب من متطلبات الحياة اليومية الضاغطة وحتى المستقبلية المجهولة بكل بنودها وعناوينها بانتزاع مساحة الصبر من بعض النفوس ،ما أدى بها إلى الانهيار والإحباط ،وبالتالي الهروب من بوابات التفاؤل والدخول بسراديب اليأس والحزن والاستسلام دون رغبة في شيء.
بالمقابل هناك على الضفة الأخرى كثيرون من أبناء المجتمع ورغم كل هذا الواقع الصعب والمرير الذي وصلنا إليه ،كانوا أشداء في تحديهم لما تعرى من مفهوم القيم والعادات المألوفة ،و أثبتوا بالقول والفعل أنهم أبناء اللحظة في الزمان والمكان ،وأن حضور الإرادة يمنح العزيمة القدرة على تعبئة الطاقات المضاعفة مهما وصل حبل الهم والغم إلى ذروته،وسرقت البشاعة جماليات نفسية ومجتمعية كنا نتغنى بها إلى وقت قريب. لكنها بقيت متوازنة وأصيلة لم تنكر أو تتنكر لواقعها ولم تتخل عن روابط الحب والايثار والمرورة والتضحية ،وان شعارها الغيرية المسؤولة تجاه مايتعرض له الوطن والمجتمع من تبدلات وتغيرات حصد منها الإرهاب والتخريب الكثير من خصوصيتها وجوهرها ودوافعها الايجابية القائمة على المفهوم المؤسسي ،الذي يسهل آليات عمل أبناء المجتمع أفرادا ومسؤولين.
إن تشابك العلاقات الانسانية والاجتماعية وترجمة الرؤى الثقافية حسب التربية والبيئة المحيطة ولغة المصالح بدا واضحا في عين الحقيقة التي لن تغفر لمن خانها يوما أو تخلى عنها وباعها في زواريب النظرة الضيقة .