الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
لم يعهد العالم في عصرنا الحديث قراراً استعمارياً أو وعداً احتلالياً سببّ كل هذه المآسي والكوارث على الشرق الأوسط والمعمورة كلها كما كان حاله مع وعد بلفور المشؤوم ، فقد أرخت آثاره الكارثية على مشهد الأحداث في القرن العشرين بأكمله ، ومازالت تداعياته تضرب عميقاً في أعماق القرن الحادي والعشرين ، ليس في فلسطين المحتلة فحسب بل في منطقتنا والقارات جميعها .
ومثل هذا الكلام ليس من بنات أفكارنا أو مجرد تحليل سياسي لا مستند له بل هو حقيقة دامغة تؤكدها الشواهد والأحداث والتطورات التي تنعكس على منطقتنا والعالم كله ، وارتباطها المباشر بالصراع العربي الصهيوني الناجم أساساً عن هذا الوعد الاستعماري ، الذي منح بموجبه الصهيوني العنصري اللورد بلفور أرض الفلسطينيين التاريخية لليهود فانطبق عليه المثل القائل : “أعطى من لا يملك لمن لا يستحق”.
لقد كان وعد بلفور ظلماً تاريخياً لا سابق له ، ورغم أنه شرد ملايين الفلسطينيين في شتى أصقاع الأرض فإن الدولة المسؤولة عن إصداره ، وهي بريطانيا ، لم تكلف نفسها حتى اليوم الاعتذار للشعب الفلسطيني وتعويضه عن الأضرار الهائلة التي لحقت به ، ومازالت تتجاهل جريمتها النكراء، وترفض ومعها منظومة العدوان على العرب والفلسطينيين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ، بل وتضع العراقيل بوجه إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس ، في سابقة دولية خطيرة ترفض تحمل مسؤوليتها تجاه نكبة شعب بأكمله تسببت هي به.
وعد بلفور أو جريمة العصر كما يسميها الجميع تمت منذ مائة عام ونيف نتيجة للسياسات الاستعمارية لحكومات بريطانيا المتعاقبة ودورها الهدام في تقسيم المنطقة على أساس اتفاقية سايكس بيكو التي وقعتها مع فرنسا وفتتت المنطقة العربية إلى دويلات ضعيفة ومنحت فلسطين للانتداب البريطاني الذي منحها بدوره للصهاينة وأسهم في تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
وهنا تكمن المفارقة الصارخة فبعد كل ما جرى من أحداث كارثية في أعقاب إصدار ذلك الوعد المشؤوم فإن بريطانيا الاستعمارية مازالت تتهرب من الإقرار بمسؤوليتها عن هذه الجريمة المروعة، ولا تريد أن تعترف حسب القانون الدولي بأن وعدها باطل لأن قانون الاحتلال الحربي لا يجيز لسلطة الاحتلال التصرف بالأراضي التي تحتلها أو تنتدبها ، كما أنه يتناقض مع مواد ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب المشؤوم ذاته أيضاً .
وارتباطاً بذلك فإنه منذ قرن ونيف كان على بريطانيا أن تلتزم بميثاق عصبة الأمم ولاحقاً بميثاق الأمم المتحدة ، وكان عليها أن تلغي التزامها بوعدها الساقط ، ولكنها لم تفعل ذلك ، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان الإسرائيلي الإرهابي ، واليوم نرى حكوماتها المتعاقبة تشد من أزر الكيان الصهيوني وتدعم استيطانه في الأراضي العربية المحتلة ، وتتستر على جرائمه وأسلحته النووية والجرثومية والكيميائية في الأروقة الدولية ، وتفعل كل ما بوسعها لطمس حقوق الشعب الفلسطيني ووأدها .
وليس هذا فحسب بل نرى اليوم حكومة لندن ومعها حكومة الولايات المتحدة وهما تسيران على خطا سياساتهما الاستعمارية البغيضة أيام الانتداب والغزو والاحتلال ، فأميركا تحتل من ناحية الأراضي السورية وتدعم التنظيمات المتطرفة وتمدها بالسلاح والعتاد وتسهل وصول الإرهابيين والمرتزقة الأجانب إلى مدنها وقراها ليعيثوا خراباً ودماراً فيها ، وتدعم من ناحية الكيان الصهيوني في كل سياساته الإجرامية ، وتسعى بكل ثقلها لإتمام صفقة العار المسماة صفقة القرن لطمس حقوق الشعب الفلسطيني باسم السلام والاستقرار والازدهار .
والأمر ذاته ينسحب على حكومة بريطانيا التي ترتكب الموبقات ذاتها في دعم الصهاينة وإنكار حقوق الشعب العربي الفلسطيني والعمل لوأد إمكانية حل الدولتين ، ورفض حق العودة والسعي لتوطين اللاجئين حيث هم الآن في شتى دول العالم ، وبعد كل هذا يأتي المستعمرون ويحاضرون فينا وعلينا بالديمقراطية والقانون الدولي وحقوق الإنسان