عودة اللاجئين تشكل الأولوية الرئيسية للدولة السورية، ولطالما كانت هذه القضية الإنسانية تتصدر اهتمامات الحكومة، وهي سبق أن شكلت هيئة تنسيق خاصة لعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها بفعل الإرهاب، واتخذت كل الإجراءات اللازمة لذلك، إلا أن حل هذه القضية لم يزل يواجه الكثير من العقبات التي تضعها منظومة الإرهاب والعدوان، التي تعرقل كل الجهود الرامية لتسهيل عودتهم، وهذا التحريض الغربي، والضغط الممارس بحق بعض الدول لثنيها عن المشاركة في المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين الذي بدأ أعماله في دمشق اليوم، هو جزء من سلسلة العراقيل التي تهدف من ورائها أميركا وأتباعها الأوروبيون لإبقاء هذه القضية كورقة ضغط وابتزاز، على أمل تحصيل مكاسب سياسية، تعوض فيها تلك الدول عن هزيمة مخططها ومشروعها الإرهابي في سورية.
الغرب الاستعماري فشل بتحقيق أجنداته السياسية من خلال حربه الإرهابية على الشعب السوري، وهذه حقيقة تثبتها الوقائع الراهنة على الأرض، ولم يبق أمام هذا الغرب المتغطرس سوى المراهنة على سكين العقوبات، والاستمرار في المتاجرة بمعاناة اللاجئين، واستغلال قضيتهم الإنسانية لمآرب سياسية محضة، التصويب على الانتخابات الرئاسية القادمة، ومحاولة التشويش والتحريض عليها، على رأس الغايات السياسية الدنيئة لأميركا والدول الأوروبية، هي تسعى لمنعهم من العودة قبل إجراء الانتخابات القادمة، لإبقائهم تحت مظلتها، ومحاولة التأثير في مواقفهم للتشكيك في النتائج، وخاصة أن الغالبية العظمى من اللاجئين هم موالون لدولتهم وحكومتهم، وكلنا يتذكر صدمة هذا الغرب عندما تدفق عشرات آلاف اللاجئين السوريين في الخارج إلى سفارات وقنصليات بلدهم في العديد من العواصم للتصويت في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2014، الأمر الذي دفع الكثير من الدول لمنعهم من ممارسة حقهم الانتخابي، والإصرار الغربي على محاولة تعطيل الاستحقاق الرئاسي القادم، هو أحد الأسباب الرئيسية لمنع عودتهم في هذه المرحلة.
منظومة العدوان لا تريد الاعتراف بهزيمة مشروعها، وتسعى بكل إمكانياتها لإطالة أمد الأزمة، ومنع أي حل سياسي لا يتوافق مع أجنداتها العدوانية، والمتاجرة بقضية اللاجئين ترى فيها إحدى الأوراق الضاغطة لتحصيل تنازلات سياسية، ولاسيما أن اللاجئين بحال عودتهم سيكون لهم دور مهم في مرحلة إعادة الإعمار، فالكثير منهم من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية، وهذا يتعارض مع رغبة الغرب في منع عودة التعافي للدولة السورية، وهذا من المحرمات بالنسبة للغرب المهزوم سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً، ولذلك نراه يتمادى باستخدام سلاح العقوبات والحصار، وهو أعلى درجات الإرهاب الأميركي والأوروبي، ونشاهد اليوم فصوله تباعاً، “قيصر” ومستنسخاته، والإجراءات الاقتصادية القسرية التي توسع الدول الأوروبية مروحتها، وكلها تهدف لتجويع السوريين والحيلولة دون حصولهم على مقومات عيشهم، وكل ذلك يؤثر على مسألة عودة اللاجئين، وبالتالي إخراجهم من معركة إعادة إعمار ما دمره الإرهاب وداعميه، وهذا ما يسعى إليه الغرب أيضاً من وراء عرقلته لعودتهم.
جميع السوريين يحدوهم الأمل الكبير بعودة اللاجئين إلى الوطن، إلى أرضهم وبيوتهم ومعاملهم، والمؤتمر هو خطوة مهمة على طريق حل هذه القضية الإنسانية، وتسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها اللاجئون خارج وطنهم، ومعظم العالم بات يدرك بأن الغرب الذي يمنع عودتهم هو نفسه سبب تهجيرهم ولجوئهم، من خلال دعمه المتواصل للإرهاب، والأمم المتحدة أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية لتغاضيها عن جرائم الإرهابيين، ولانسياقها وراء مسألة تسييس الوضع الإنساني للاجئين، تماهياً مع السياسة العدوانية الغربية، الأمر الذي بات يحتم على الدول المهتمة بهذه القضية الإنسانية التكاتف لوضع حد لمعاناة اللاجئين، ومطالبة الدول المعرقلة برفع قيودها، والعمل على تسهيل عودتهم.
البقعة الساخنة – ناصر منذر