بعد الرسالة الاستفزازية التي انطوت عليها زيارة وزير خارجية أميركا مايك بومبيو لمستوطنات صهيونية مقامة في الجولان العربي السوري المحتل في دعم (لاحق الدفع) للكيان الغاصب، سرّب الجيش الأميركي خبر نشره للقاذفة الإستراتيجية ب52 في قاعدة له في المحيط الهندي، وهي القاذفة المنوط بها في العادة شن هجمات عسكرية كبيرة لتدمير منشآت ضخمة وبنى تحتية لوجستية، لتعود المنطقة مجدداً إلى أجواء التسخين والتصعيد والتوتر، ولا سيما أن الخطوتين تأتيان في ظل أزمة أميركية أعقبت الانتخابات الرئاسية التي خسرها دونالد ترامب ورفض الاعتراف بنتائجها.
لا جدال في أن رسائل التهديد الأميركية هذه، والموجهة حصراً إلى المحور المناهض للسياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، تستبطن نوايا الشرر والعدوان وقد تكون مؤشراً أو مقدمة لعمل مجنون لا أحد يستطيع التكهن بتداعياته، على اعتبار أن الرسائل سُبِقت بالإعلان عن تخفيض عديد القوات الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، وثمة من ربط هذا التخفيض المفاجئ وغير المخطط له مع حلفاء واشنطن، بعزم الرئيس المنتهية صلاحيته على افتعال حدث كبير من شأنه عرقلة عملية استلام وتسليم طبيعية وهادئة في البيت مع خلفه جو بايدن في العشرين من كانون الثاني القادم.
المراقب لأداء ترامب خلال أربع سنوات من ولايته – المزدحمة بالحماقات – لا يمكنه استبعاد أي حماقة جديدة من قبله، وهو الذي سجل أرقاماً قياسية في المغامرة والتهور لم يسبقه إليها أيٌّ من أسلافه، الأمر الذي ينبغي أخذه على محمل الجد من قبل محور المقاومة، لأن نشر هذه القاذفة الإستراتيجية أو تحريكها بهذا الظرف بالذات قد يكون ذا صلة مباشرة بمنشآت إيران النووية السلمية التي لطالما رغب الكيان الصهيوني بتدميرها، وحرّض واشنطن للقيام بهذه الحماقة، بعد أن جبُن هو لأسباب كثيرة عن ارتكابها.
ما من شك أن القيادة الإيرانية تملك من الشجاعة والذكاء والحنكة، ما يمكنها من التعاطي مع الرسائل الأميركية بكل حزم، وهي تعرف متى وكيف ترد على التهديدات وكيف تواجه العدوان، وليس من السهل التكهن بردود أفعالها حين تصل الأمور إلى هذا المستوى من الخطورة، الأمر الذي يفرض على العقلاء في واشنطن – إن بقي فيها عقلاء – أن يكبحوا جموح ترامب قبل أن يزج العالم في جحيم جديد، لأن حرباً جديدة في الخليج سيدفع ثمنها العالم أجمع، والعاقل من اتعظ وارتدع..!
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود