الاحتفاء ضمن تظاهرة أيام الفن التشكيلي السوري، بمئوية ولادة الفنان الرائد نصير شورى (1920-1992) يعني الاحتفاء بالفن التشكيلي السوري عامة، وتكريم رموزه، وإبراز دوره في الارتقاء بالذائقة البصرية والروحية، بعد مرور أكثر من سبعة عقود، على إطلاق الانطباعية السورية، التي كانت إبداعاً مشتركاً لمجموعة من الفنانين الرواد، وفي مقدمتهم ميشيل كرشة ونصير شورى، حتى أنهما ارتبطا بصداقة عميقة، وكانا يحملان لوحاتهما وألوانهما ويخرجا معاً، إلى الطبيعة للرسم في الهواء الطلق، ومحاورة المشهد الخلوي بلمسات لونية عفوية ومتتابعة، تلتقط تبدلات الضوء واللون بسرعة خاطفة، وحسب تعاليم “كلود مونيه” مؤسس وزعيم ورائد المدرسة الانطباعية في الرسم، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
ولقد مرت تجربة شورى بعدة تحولات ومراحل، فمن السلوك الانطباعي في البدايات، إلى التشكيل التجريدي في الستينات، وصولاً إلى الصيغة النهائية التي توصل إليها في منتصف السبعينات، حين عاد إلى الطبيعة وحولها إلى مساحات لونية مرهفة وشفافة. وبذلك ساهم في تأسيس رؤية جديدة للواقع، في المرحلة الذهبية لنهضة الفن السوري الحديث والمعاصر، ولقد التقى في هذا الاتجاه الفني المتحرر مع الفنانين الانطباعيين والتعبيريين والتجريديين، الذين تلقوا دراساتهم الأكاديمية في روما وفلورنسا وباريس ومدن أوروبية وعربية أمثال أدهم اسماعيل وفاتح المدرس ومحمود حماد وممدوح قشلان ولؤي كيالي ونعيم اسماعيل ورولان خوري ونوبار صباغ وغيرهم، ممن ساهموا في إيجاد مناخات جديدة للوحة السورية الحديثة والمعاصرة. ففي مطلع الستينات ظهرت في تجربة شورى علاقات لونية مسطحة أبعد من شكل الأشياء، ومنحازة نحو شاعرية التكوين من خلال زخارفها المنمنمة المغزولة بخطوط بيضاء دقيقة، عبر المساحات اللونية المتجاورة والمتداخلة والجانحة نحو التسطيح والشفافية، وفي متحف دمشق الوطني يجد الزائر، لوحات جدارية له من تلك المرحلة. و بعد ذلك أظهر قدرة لافتة في التشكيل الحديث من خلال المواءمة والمجانسة ما بين الإيقاعات الهندسية التجريدية وإيحاءات المنظر الطبيعي، حقق ذلك عندما حاول العودة إلى أجواء الطبيعة الخلوية، لإعادة تشييدها بجديدة وبنسيجه الخاص، فتحولت لوحاته إلى غابات زاخرة بالأشجار والأغصان والنسغ والمستنقعات والنباتات المائية الرطبة، التي توصلنا إلى محطات ربيعية مزهرة دائمة العبق والأخضرار.
رؤية-أديب مخزوم