“مع كل فقدٍ، ثمة جزءٌ منّا يموت”..
يرنّ صدى عبارته طويلاً وكأنه بكلماته تلك ينطق بلسان حالنا جميعاً.
ما يخطر لها أنها لو قامت بجمع تلك الأجزاء المتفرقة من الموت إلى بعضها لكوّنت كياناً كاملاً ميتاً أو شبه ميت.
هل ما نحياه هو عبارة عن أقساطٍ من الموت أم أقساطٍ من الحياة..؟
كيف لنا أن نوصّف عيشنا..؟
(الحياة بالتقسيط ) هكذا هي تتسلل إلينا على دفعات..
كل غيابٍ/موت يخلّف وراءه فراغاً مديداً.. خطاً لانهائياً من موجعات لا يمكن طمرها. ونحن الذين نُلامس طعم الفقد، مؤخراً، أكثر من أي فترة مرّت من عمرنا، ندرك أن ثمة فرغاتٍ يصعب ملؤها..
تتمدّد متحولةً إلى فضاءٍ يستحيل طمسه أو تمويهه..
فضاءات الفقد والغياب..
الخسارات المتوالية.. المتسارعة وكما لو أنها في مضمار سباق.
وبينما ترغب بردم هوة الغياب بأي فكرة تخطر ببالها.. تستذكر عبارة جيمس جويس: “الغياب هو أعلى أشكال الحضور”..
ربما هو كذلك لأننا نمتلك حينها ميزة تشكيل صورة الغائب على هوانا.. تتوقف أي تطورات واقعية أو تعديلات لصفاته أو أفعاله. . ونتولّى نحن هذه المهمة..
نحسّن ونعدّل وفق رغباتنا..
نستنسخ عشرات الصور والهيئات التي تنسجم مع خيالنا.
يصلح ذلك على مستوى خساراتنا الفردية، وربما يصعب على مستوى الخسارات الجمعية..
لكن ما وجه الصعوبة..؟!
أن يحب المرء شخصاً عن بُعد، دون معرفة مسبقة ولا تواصل مباشر معه سوى عبر منجزه الإبداعي هو بمثابة مدّ جسور محبة لامرئية مع جميع مَن نهوى مِن مبدعين، نتشارك وإياهم شيئاً غير ملموس.. شيئاً يبثّونه عبر فنّهم.. كما بوحهم الحميمي، يطلقونه وما علينا نحن المتابعين سوى فك شفرة حبّهم، شغفهم اللامحدود، وهوسهم المجنون..
وكلما اتسعت منطقة تقاطع جنوننا وجنونهم كلما أحببناهم أكثر وشعرنا بمرارة غيابهم أكثر..
وهو ما يجعل فراغات الروح تتسع اطراداً مع فقدهم..
فراغات لا يمكن ردمها سوى بمزيد من حب..
قلة هي تلك القادرة على صنع الحب ومنحه إبداعاً وتفرداً.
رؤية – لميس علي