ليس كل ما نعيشه من معاناة سببه الأزمة، ولكن الأزمة فاقمته، هناك بعض القضايا جذورها تعود لسنوات طويلة وقبل الأزمة مثل أزمة النقل والكهرباء والمشتقات النفطية ولكن نتيجة الخلل والتقصير وربما القصد نعيش اليوم معاناتنا مضاعفة.
بالأمس تسلمت مصر حوالي 260 عربة نقل ركاب موردة إليها من روسيا لتحسين أسطول نقل الركاب بين الضواحي ومركز المدينة وكذلك بين المدن، فالنقل السككي في مصر متجذر وحل لجزء كبير من مشاكل النقل، كما في أوروبا وغيرها من دول العالم، وطبعاً نحن لسنا بعيدين عن هذا التجذر وحتى أن جذورنا أعمق من الجذور الأوروبية، وعندما كانت الترمواي تجوب أحياء دمشق بداية الخمسينات وما تزال سكتها موجودة حتى اليوم أمام شركة كهرباء دمشق في الفردوس بجانب مقهى الهافانا لم يكن الكثير من الدول يعتمد النقل السككي بين الضواحي ولا مع المدن الأخرى.
الغريب في الأمر أننا كنا نسبق الجميع في كثير من القضايا ولكن اللامبالاة والاستخفاف وتغليب المصالح الضيقة رمى بنا خلف العالم بكثير، منذ سنوات طويلة نتحدث عن مترو دمشق، وما تم صرفه على الدراسات لإنجاز المترو كان كافياً لإنجاز أي مشروع، والأمر ذاته بالنسبة لقطار الضواحي وسيستمر كذلك طالما نعمل بنفس العقلية، لأنه عندما يأتي مستثمر داخلي أم خارجي نمننه لأنه سيستثمر عندنا أو معنا ونريده شريكا يُقدم كل شي بما في ذلك حصة القائمين على الأمر ومن دون أن يكون له حق في الاعتراض على تغيير صيغة التعاقد أو تطبيقها بمفعول رجعي.
مشاريعنا ستبقى في دوائر الدراسات، ولن نجد من يمولها بهذه العقلية والشروط، فالدول تقدم للمستثمرين في الظروف الصعبة كل شي وتكتفي بتوفير مُنتج وتشغيل يد عاملة وعندما تتحسن الظروف تعيد دراسة صيغة الاستثمار وفقاً لشرط وارد في نص العقد لتحسين حصة الجهة العامة، السائد عندنا حاليا أننا نطلب أفضل الشروط ونحن في أحلك الظروف وأندر الخيارات.
الأمر يحتاج لإرادة وتصميم وحس وطني، فعندما أرادت الحكومة بناء خط حديدي إلى مدينة المعارض أوجدت التمويل والجهة المنفذة وكل ما يلزم ولم تقف الأزمة عائقاً أمام التنفيذ، الناس لم تعد تحتمل التسويف ولم تعد تتحمل التناقض، مشاهد الناس على المواقف والساحات ونهايات خطوط نقل الركاب يوحي بغياب أي جهة معنية، وما يتكبده الناس للوصول إلى أعمالهم أصبح ثقيلاً، وأصبح السفر بين المحافظات يُحسب له ألف حساب، ولو أن القطارات تتحرك لكان الوضع أقل عبئاً على المواطن، بعض إداراتنا تُفاقم الأزمة ولا تعمل للتقليل من آثارها.
على الملأ- بقلم مدير التحرير-معد عيسى