ما حدث في اميركا بعيداً عن هوس ترامب وطيشه وجنونه، وما وسمت به شخصيته من خلال تصرفاته الرعناء وقراراته العنصرية والجائرة والتي بات يعرفها كل شخص على امتداد الرقعة الدولية و بعيدا عن مشهد الغلو في الاجرام والجموح الشرس للتمسك بالسلطة بمخالب القوة وبأنياب التمرد على القانون ، إلا أن المشهد أزاح بقوة قناع الخداع عن وجه ديمقراطية زائفة استطاع سفيه فاجر كترامب أن يحولها الى هشيم بعيدان ثقاب بلطجة وبعض حطب مرتزقة ،أجل رغم كل ذلك فإن المشهد الذي أريد له ان يملأ الدنيا ،ويشغل المراقبين والمحللين والمتابعين، وأريد لنا ان نتابعه باستهجان ونمحص في تفاصيله، وندقق في حيثياته وتبعاته، ونفرد له مساحات واسعة من التحليل والتنبؤ بانعكاساته على مستقبل الولايات المتحدة وتصدع احزابها، كل ذلك لن يبعد عن أذهاننا التساؤل الأهم بخصوص كل ما جرى وآلية حدوثه في غفلة عن أعين الاستخبارات الاشد مكرا واحتيالا على المستوى الدولي ! ، فهل كان مشهد اقتحام الكابيتول مفاجئاً كما تم إظهاره إعلامياً؟! وان كل ما قام به أنصار الأرعن ترامب كان غائبا عن الاستخبارات الاكثر شيطانية في العالم مع أنه متوقع من قبل ولوح به ترامب مرارا وتكرارا في حلقات مجونه السياسي ومنصات الاستعراض البهلوانية على الفيسبوك وتويتر وغيرهما ، فهل من المعقول أن أميركا بما يعرف عنها من خبث استخباراتي لم تحسب حسابا بأن الامور ستأخذ منحى تصاعديا ! ، نجزم أن أصابع الاستخبارات الاميركية كانت حاضرة بقوة وعلى علم مسبق بما ستؤول اليه الامور و هي من ساهمت في إعداد سيناريوهاته وتنفيذها لغايات ستتبين لاحقاً وأول إرهاصاتها تمثلت بقرار الكونغرس بعزل ترامب وتوجيه تهم التمرد والتحريض على العنف وزعزعة استقرار البلاد والتلويح بتجريمه وتجريده من أي منصب سياسي محتمل في الايام القادمة لتبدو اميركا بأنها راعية القيم الديمقراطية وأن مؤسساتها لن تسمح بالنيل منها وأن هذه الديمقراطية المزعومة لا يمكن تشويهها أو استهدافها ، والا فكيف لها أن تستمر في لعبة شرورها على اتساع الخريطة الدولية وكيف ستواصل المحاضرة بالإنسانية المشروخة وغزو الدول واستباحة الدماء لنشر ديمقراطيتها العفنة.
لن نغوص اكثر في تفاصيل المشهد الاميركي وحيثيات عزل ترامب التي أقرها الكونغرس بمشاركة اعضاء من الحزب الجمهوري ولكن ينتابنا تساؤل ملح في خضم معمعة الحريات والقيم الاميركية التي يجري تلميعها حاليا ونفض غبار تصرفات ترامب عن وجهها الدميم، فهذا الكونغرس الذي ثارت حميته لانتهاك القانون في اميركا ألمْ يرَ الدماء تقطر من يدي ترامب خلال كل فترة ولايته وهو الداعم الاساس للإرهاب حول العالم وفي منطقتنا على وجه الخصوص، ألم يقر أعضاؤه من جمهوريين وديمقراطيبن بسياسة الاغتيالات الوضيعة التي نفذتها ادارة ترامب وكيف قفزت فوق الشرعية الدولية بشرعنة نهب الأراضي وتشجيع الاستيطان في فلسطين والجولان المحتلين ولمَ لمْ تثر حميته للأطفال في اليمن وهو يدعم صفقات التسليح لأنظمة استبدادية إجرامية؟!
مقالنا لا يتسع لذكر الممارسات الإجرامية الاميركية لأنها اكثر من أن تعد أو تحصى فقتل الشعوب الأخرى والمتاجرة بعذاباتهم ونهب ثروات الدول عرف أميركي سائد لا يكدر صفو الكونغرس او مجلس الشيوخ ولا يثير فيهما حمية مفقودة!.
قد يختلف حكام البيت الابيض بأساليبهم وينوعون في طرق تعاطيهم مع الملفات العالمية وقد يتناحر الحزبان الاساسيان حول تفاصيل هامشية لا قيمة فعلية لها، لكن مؤدى السياسة الاميركية واحد وغايات الاستثمار بالأزمات والاصطياد في عكر الحروب وفوضى الارهاب هو سمة ملازمة لكل الساسة والعسكريين الأميركيين فلا يفسد التناحر على السلطة الدعائي ما تجمعه الاطماع وتوجهه بوصلة الجشع وتفرضه المشيئة الصهيونية.
ستنتهي الجلبة الدعائية المفتعلة حول ترامب وسينتهي السجال حول ما ستؤول اليه الأمور في الولايات المتحدة بعد أن اهتزت ديمقراطيتها العرجاء، وينتهي الكم الكبير من التوقعات والتخمينات وسيبدأ عهد بايدن الذي لن يغرد خارج سرب من سبقوه من حكام أميركا بافتعال ازمات وتأجيج حروب، فهذا هو مناخ واشنطن المناسب للهيمنة واغتنام الفرص لكسب أرباح وجني اموال ولو على حساب دماء الشعوب وأمان الدول .
لا نعول على أي إدارة اميركية قادمة لأنها تضع في اولوياتها دعم كيان الارهاب الصهيوني في كل جرائمه وعدوانيته وعدم السماح بمحاسبته وتجريمه وتنصيب نفسها محامي دفاع شرس عن الشيطان الصهيوني، ولا نتوقع أن يغير بايدن من هذا العرف الاميركي السائد وإن ناور وخادع وحاضر بالإنسانية المسمومة وأمن الدول وسلام الشعوب.
حدث وتعليق – لميس عودة