محاولة تكريس الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وشرعنة وجود الكيان الغاصب كجزء رئيسي من خارطة المنطقة الجغرافية والسياسية، تمثل أبرز أهداف الحرب الإرهابية على سورية، إن لم يكن الهدف الوحيد، وهذه الحقيقة أثبتتها مجريات الحرب عبر مراحلها السابقة على مدار نحو عشر سنوات، ولاحظنا في الآونة الأخيرة كيف انتقلت الدول الغربية الداعمة للإرهاب وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب الكيان الصهيوني والنظام التركي، من مرحلة دعم وتمويل وتدريب وتسليح التنظيمات الإرهابية، إلى مرحلة الانخراط المباشر بالحرب عبر ممارسة العدوان والاحتلال العسكري، بعد دحر الأدوات الإرهابية عن معظم الجغرافيا السورية، والعدو الإسرائيلي يشكل رأس الحربة في منظومة العدوان، وصاحب المصلحة الكبرى في استمرار الحرب من أجل تحقيق مشروعه الاحتلالي التوسعي في المنطقة.
من هنا فالاعتداءات الصهيونية، وآخرها العدوان الغادر على محيط محافظة حماة، لا تخرج عن إطار التنسيق الكامل بين ثالوث الإرهاب الأميركي والتركي والإسرائيلي في هذه المرحلة، وثمة أهداف مشتركة من وراء تلك الاعتداءات، وفي مقدمتها محاولة استدراج سورية ومحور المقاومة إلى حرب شاملة بتوقيت يفرضه الكيان الصهيوني، وأيضا لإعاقة الجيش العربي السوري من استكمال مهامه الوطنية في القضاء على ما بقي من تنظيمات إرهابية، لاسيما وأن الاعتداءات الصهيونية قبل بضعة أيام على مدينة دير الزور ومنطقة البوكمال كان هدفها تأمين الغطاء لإعادة تعويم إرهابيي “داعش” في منطقة البادية على الحدود السورية- العراقية، ولاحظنا كيف تزامنت تلك الاعتداءات مع عمليات نقل متزعمي التنظيم ومرتزقته على متن مروحيات المحتل الأميركي من عدة سجون في الحسكة إلى منطقة التنف، ومع جرائم المحتل التركي ومرتزقته الإرهابيين على أهالي الحسكة، وكذلك مع تصاعد جرائم ميليشيا “قسد” العميلة بحق أبناء منطقة الجزيرة، بدعم معلن من مشغلها الأميركي، وكل ذلك يصب في إطار أمد الحرب لاستكمال تنفيذ المشروع الصهيو- أميركي المتعثر على البوابة السورية.
ثمة رسالة واضحة أيضا للعدوان الإسرائيلي على محيط محافظة حماة في هذا التوقيت، حيث جاء بعد يومين فقط من تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، وهذا يشير إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تكون أقل دعماً للإرهاب الصهيوني من سابقتها، والكل يعلم أن كل عدوان إسرائيلي على سورية يسبقه ضوء أخضر أميركي، وقد سبق لانتوني بلينكين الذي ينتظر مجلس الشيوخ لتثبيته وزيراً للخارجية أن أكد غداة ترشيحه لهذا المنصب أن ما يسمى أمن ” إسرائيل” خط أحمر بالنسبة لإدارة بايدن، وأن لا نية لديها للانسحاب من الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني أو إعادة نقل السفارة منها – وهذا بطبيعة الحال ينطبق على قرار ترامب العدواني بحق الجولان السوري المحتل- وقد بارك أيضا كل خطوات التطبيع المجاني ووعد بالعمل على استكمالها، ما يعني أن أميركا لا تفكر على الإطلاق بتغير نهجها العدواني ضد سورية بشكل خاص، ودول المنطقة على وجه العموم، طالما أن ذلك يخدم المصلحة الصهيونية.
أفراد الأسرة الذين استشهدوا جراء العدوان الصهيوني على حماة، كانوا قد هجروا سابقاً من ريف إدلب الجنوبي هرباً من جرائم التنظيمات الإرهابية، وهذا يعطي مدلولاً إضافياً على تكامل الإرهاب الإسرائيلي مع الإرهاب الوهابي التكفيري، والتنسيق الكامل بينهما، فالذي ينجو من جرائم إرهابيي ” داعش والنصرة” يكون عرضة لجرائم العدوان الصهيوني، وهذا حدث في الكثير من المناطق التي تعرضت للاعتداءات الصهيونية في السابق وراح ضحيتها العشرات من المدنيين، الأمر الذي يوضح أكثر أبعاد الحرب الإرهابية وأهدافها، وكلها ترمي لتكريس الاحتلال الصهيوني، وتثبيته كقاعدة إرهاب متقدمة للغرب في المنطقة.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير- ناصر منذر