تثاقلت في مشيتها، حتى لتبدو عجوزاً تسعينية، تتمهل خطواتها نحو هاتف مزعج..نفض عنها هواجسها.
الكهرباء المفقودة منذ الصباح الباكر جعلتها، تدور في فلك الأفكار المكرورة، ولم تنتبه لولا هذا الرنين الذي لا يتوقف، حين أتاها صوته تذكرت أن الراوتر معطل، و البطارية لا تشحن، فقد احترق الشاحن الأوتوماتيكي… حاولت أن تستنهض روحها كما كانت تفعل عادة..هذه المرة بدا الأمر ثقيلاً للغاية.
لا شيء يوحي بانفراج قريب.
وكل ما كانت تحلم به يوماً، لم يعد يراودها، ولا حتى كطيف بعيد الأثر..!.
ما بك…كانت تضغط على أعصابها وهي تحاول أن تكون مرحة..؟.
استقبلت العزيمة بتفهم، ربما تخرجها من كل هذا.
حين ارتدت فستانها الأسود والأبيض، لم تنتبه إلى ألوانه إلا وهي في السيارة، حين أدارت مرآة السيارة باتجاه وجهها الذي لم يتمكن أحمر الخدود من إخفاء كل معالم الشحوب، كم تبدو ابتساماتنا المصطنعة ثقيلة.
حاولت النظر باتجاهه، هو الآخر يبدو مختلفاً.
ما الذي حل بنا..؟.
هذا الطريق الذاهب باتجاه مناطق الاصطياف كان صيفاً وشتاء جميلاً يبث الروح في أحاسيسنا ويعيد إحياء أحلامنا المرمدة.
اليوم…الطريق مختلف..ومع كل خطوة..يبدأ شريط الذكريات ..تتذكر فيه كل الأماكن الخارجية والداخلية..وكأن سترة لامتناهية غلفتها ولا يمكن إزالتها، تتالى المشاهد ..تنسكب في ذهنها بسرعة البرق.
يا لهول اللحظات ..أحياناً تبدو كأنها مرت ولن تتذكرها إطلاقاً..ولكن في لحظة ..تعود للظهور كأنها لم تغادرك أبداً..
حين اقتربت من المكان الاعتيادي المطعم الصغير المميز، الذي كان يوماً يضج بوجوه بشر لا يفارقهم المرح..ها لها أن تتشابه التعابير..وأن يخفت الصوت إلى هذه الدرجة ولولا أصوات بعض الأطفال لشعر الجميع، بصمم المطعم الذي يشبه كوخاً خشبياً في مكان قصي..لا أجمل منه حين نقترب من الأعياد.
حين سحب أحد العاملين الستارة وسطع ضوء ألعاب نارية من مكان بعيد.
بدا كأنه يوقظ كل من في المكان.. منادياً ثمة أمل ، بريق…ولو بعد حين..!.
رؤية – سعاد زاهر