الثورة أون لاين- ناصر منذر
منذ استلام جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض، كثرت التصريحات الأميركية على لسان مسؤولين سابقين وحاليين حول سورية، بهدف تسجيل مواقف جديدة إزاء التعاطي الأميركي مع الحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة، ومجمل هذه التصريحات تشوبها الضبابية والتناقض، باستثناء حقيقة واحدة أجمع عليها أكثر من طرف، وهي أن أميركا فشلت في سورية، وهذا اعتراف أميركي واضح ومعلن، وما عدا ذلك من تصريحات فهي متخمة بالمراوغة والتضليل، وتقود إلى استنتاج واحد يفيد بأن إدارة بايدن ترسم استراتيجية جديدة لن تكون أقل عدائية عن سياسة الإدارتين السابقتين ” أوباما وترامب”، وذلك لمحاولة تعويض الفشل المعترف به أميركياً.
آخر تلك التصريحات جاءت على لسان متحدثين باسم وزارة الحرب الأميركية “البنتاغون”، الأول هو جون كيربي حيث ادعى أن قوات بلاده المحتلة رفعت يدها عما سماه ” حماية” النفط السوري – ربما خجل من استخدام تعبير (سرقة النفط) – والثاني هي جيسيكا مكنالتي التي أفصحت عن الجهة التي ستتولى مهمة الإشراف على نهب النفط وهي ميليشيا “قسد” العميلة، وكلاهما اجترا كذبة محاربة ” داعش” لتبرير الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي في منطقة الجزيرة، وهنا فإن المدلول الوحيد لتصريح البنتاغون في هذا التوقيت هو “تجميل” سياسة البلطجة التي مارسها ترامب، فهو لم يخجل من المجاهرة علناً بسرقة النفط، وإدارة بايدن تريد إظهار نفسها على أنها ترد الاعتبار لسمعة أميركا التي أجهز عليها ترامب، من دون أن يكون في واردها التخلي عن سياسة اللصوصية، وإنما إبعاد نفسها عن الواجهة فقط، وسواء أنيطت مهمة السرقة بمرتزقة ” قسد”، أو ” داعش” كما كان عليه الحال من قبل، فهي تتم تحت حمايتها وإشرافها، وريع النفط المسروق يذهب إلى وزارة خزانتها.
محاربة ” داعش” لم تكن يوماً هدفاً لوجود الاحتلال الأميركي كما يزعم المسؤولون الأميركيون، إنما لتحقيق أهداف سياسية تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة، فواشنطن هي من أوجدت هذا التنظيم الإرهابي، وجندت مرتزقته، ودربتهم ومولتهم بالسلاح والمال والعتاد، وهي تؤويهم في المناطق التي تحتلها، وتؤمن تحركاتهم لاستهداف الجيش العربي السوري الذي يحاربهم، وهي لا تقدم كل هذا الدعم لذراعها الإرهابي “قسد” وتعتبرها “شريكاً” لأجل محاربتهم، فهم جزء من تركيبتها، وإنما تدعم هذه الميليشيا لأنها أداة مشروع التقسيم الصهيو-أميركي، وتتولى تنفيذ مهام قذرة تمليها المصلحة الاستعمارية لأميركا في هذه المرحلة.
ثمة أيضاً تصريح آخر لافت، جاء على لسان ما يسمى بالمبعوث الأميركي السابق وليام روباك قال فيه: “وجود “قسد” إجراء مؤقت مرتبط بالوجود الأميركي الذي لن يبقى للأبد”، وهذا يضاف لحديث كان قد أدلى به السفير الأميركي السابق روبرت فورد أكد فيه على هذه المسألة، وهذا التصريح يفترض بميليشيا “قسد” الموكلة بسرقة النفط أن تكون معنية به أكثر، لتدرك حجمها الحقيقي قبل أن تتورم، وأن تعي وضاعة دورها في منظور الاستراتيجية الأميركية العدائية تجاه سورية، ولكنها على ما يبدو تستمرئ كثيراً عمليات خداعها بوعود خلبية، وجل اهتمامها مواصلة اللهاث لتحقيق نزعتها الانفصالية، متجاهلة حقيقة أنها مجرد أداة يستثمرها المحتل الأميركي، سرعان ما يتم لفظها و الاستغناء عنها فور انتهاء صلاحيتها.