الدولة السورية تبذل جهوداً مضاعفة لتأمين عودة الأهالي الراغبين بالخروج من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية إلى بلداتهم وقراهم التي تم تحريرها من الإرهاب، ولكن تلك الجهود لا تزل تصطدم بتعنت مشغلي الإرهاب الرافضين إطلاق سراح الأهالي المحتجزين قسراً تحت قوة السلاح، حيث افتتحت محافظة إدلب بالتعاون مع وحدات الجيش العربي السوري قبل يومين ممر سراقب – ترنبة الإنساني لاستقبال الأهالي، وقدمت التسهيلات الكاملة لضمان نقلهم وتأمينهم بمركز للإقامة المؤقتة، تمهيداً لعودتهم إلى منازلهم في القرى المحررة من الإرهاب، ولكن المجموعات الإرهابية لا تزال تمنع الأسر من التوجه إلى الممر بقوة البطش والنار.
هذا الوضع يتحمل مسؤوليته المباشرة نظام أردوغان، باعتباره الضامن الرئيسي لأولئك الإرهابيين، وهذا يتعارض مع مخرجات “أستانا”، وينسف ما تم التوافق عليه خلال الجولة الخامسة عشرة قبل نحو أسبوع، لجهة التأكيد على ضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية في سورية، وإرهابيو “النصرة” الذين يمنعون الأهالي من العودة، لا يملكون قرار نسف التفاهمات أو الالتزام بها، لكونهم مجرد أداة بيد مشغلهم وضامنهم التركي وداعمهم الأميركي، ما يؤكد مجدداً أن نظام المجرم أردوغان، وخلافاً لما يدعيه على مسار “أستانا”، هو ليس بوارد الجنوح نحو العمل على إيجاد حل سياسي، وإنما مواصلة الاستثمار بأوراقه الإرهابية، لتحقيق أجنداته العدوانية وأطماعه التوسعية.
عندما يتمادى إرهابيو أردوغان بارتكاب جرائمهم بحق المدنيين، فهذا يشكل رسالة تركية واضحة لجعل منطقة خفض التصعيد بؤرة دائمة لإرهابيي “النصرة”، علماً أن الاجتماع الأخير لـ “أستانا” جدد التأكيد على ما تم التوافق عليه سابقاً لجهة مواصلة التعاون من أجل القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي و”جبهة النصرة” وجميع الأفراد والجماعات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو “داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى كما حددها مجلس الأمن الدولي، مع ضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، وفي إدلب تحتشد جميع التنظيمات الإرهابية التابعة ” لداعش والنصرة”، وكلها تنضوي تحت راية العثمانيين الجدد، وهو ما يحمل الضامنين الروسي والإيراني مسؤولية كبح جماح الضامن التركي، لاسيما أنه يواصل انتهاك تفاهمات “أستانا” باحتلال أجزاء من الأراضي السورية، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه تلك التفاهمات لجهة الالتزام بوحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها.
سورية لم تثق يوماً بكل ادعاءات نظام أردوغان الكاذبة فيما يتعلق بجولات “أستانا”، ولا حتى بوعوده التي قطعها للجانب الروسي بموجب اتفاق سوتشي بشأن إدلب، والجميع خبر مدى نكثه للعهود والانقلاب على التفاهمات، ورغم ذلك سبق للدولة السورية أن أعطته الكثير من المهل لتجنب إراقة الدماء، ولكن ذلك لا يعني أن إدلب ستبقى محمية طبيعية للإرهاب، فاستعادتها أمر محسوم، وهي لن تنتظر إلى ما لان هاية على أمل أن ينفذ ذاك النظام التزاماته، لاسيما أن ملايين السوريين الموجودين في إدلب يناشدونها باستمرار للعمل على تخليصهم من الإرهاب، والجيش العربي السوري كما حرر أغلبية المناطق من الإرهاب الوهابي التكفيري، فإنه لن يدخر جهداً لتحرير إدلب، وغيرها من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الإرهابيين، أو الميليشيات العميلة، أو داعميهم من قوى الاحتلالين التركي والأميركي.
البقعة الساخنة – ناصر منذر