الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
في يوم 23 آذار، ستنطلق الانتخابات الإسرائيلية للتصويت وهي الرابعة خلال سنتين، إلا أن الخبر الأسوأ يكمن في أن يوم الانتخابات قد يكون مقدمة لمرحلة أخرى، إذ تبين استطلاعات الرأي بأن الكتل السياسية الإسرائيلية ستبذل قصارى مساعيها لجمع الأصوات وتشكيل أغلبية برلمانية ما يعطي مؤشراً على أن سياساتنا تدور في حلقة مفرغة.
والجدير بالذكر أننا لم نشهد اختلافا في مسار الأحداث عما مضى سوى في نقطة واحدة ألا وهي غياب الرئيس الأميركي عن المشهد الانتخابي.
وفي هذا المقام، نستذكر ما جرى خلال الدورتين الانتخابيتين في العقد الماضي، فنجد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قام بزيارة واشنطن عام 2015، ليتحدث أمام الكونغرس عن “التهديد” الذي تشكله إيران، وقد أعرب إبان حملته الانتخابية عن معارضته الشرسة للرئيس باراك أوباما والاتفاق النووي المبرم مع إيران، وبعد أربع سنوات، عندما دخلت “إسرائيل” في حلقة الانتخابات المتكررة، اعتلت صورة لنتنياهو على أحد المباني الشاهقة على الطريق السريع الرئيسي في “تل أبيب” وهو يقف إلى جانب دونالد ترامب، وكان هدف رئيس الوزراء التركيز على الاصطفاف الأميركي إلى جانبه إبان حملته الانتخابية، وإبراز تقاربه مع ترامب، وفي كلا الحالتين، كانت رسالته السياسية مباشرة.
لم يكن نتنياهو بالسياسي الإسرائيلي الأول الذي يستغل تقاربه مع رئيس أميركي لتحقيق هدف انتخابي، فقد سبق وأن ساند الرئيس جورج بوش رئيس الوزراء أيهود أولمرت، وحقق أيهود باراك الفوز في الانتخابات بدعم من إدارة الرئيس بيل كلينتون.
ونتساءل في هذا السياق، لماذا يحتل الرؤساء الأميركيون مكانة هامة في انتخابات بعيدة عن واشنطن؟ وتتمثل الإجابة في سببين: أولهما، أن الإسرائيليين ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها المدماك الرئيس في حفظ أمن بلادهم، ورغم تراجع ثقة الإسرائيليين بذلك التحالف إلى حد ما في السنوات الأخيرة، فلاتزال قدرة قادتهم على تفهم قادة واشنطن ومواجهتهم ذات أهمية لهم. ثانيا، ما يجري من أحداث داخل “إسرائيل” ضروري بالنسبة لأميركا أيضا، نظراً لما تشكله السياسات الإسرائيلية من أهمية لاستراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط.
بيد أنه في الفترة التي سبقت انتخابات هذا الشهر، لم يتبنَ الرئيس بايدن الانتخابات أو يبدي دعما لأي طرف، علما أنه مضى عدة أسابيع بين تنصيب بايدن واتصاله الهاتفي الأول مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأمر الذي رأى به كثيرون ازدراء لشخص نتنياهو، غير أنه عندما سئل في هذا الشهر عن سبب تأخر اتصال بايدن معه، فلم يعمد نتنياهو إلى إقناع ناخبيه بأن بايدن صديقه المقرب، ولم يدّعِ بأنه عدو لدود يهدد الأمن الإسرائيلي، بل اكتفى باستنكار السؤال متحدثا بعبارات عامة ثم انتقل إلى سؤال آخر.
تردد منافسو نتنياهو في الانتخابات، يائير لابيد ونفتالي بنيت وجدعون سار، في استغلال تلك القضية أو استغلال مؤشرات الخلاف بين واشنطن و”إسرائيل” بشأن إيران كدليل على عجز رئيس الوزراء عن الحفاظ على أمن بلاده.
ثمة تأويل بسيط وآخر معقد يكمن وراء هذا التغييب غير المألوف للرئيس الأميركي عن الانتخابات الإسرائيلية، ويتعلق هذا التأويل بحيرة تكتنف الإسرائيليين فيما إذا كان بايدن سيكون صديقا على غرار ترامب، أم شوكة في خاصرتهم على غرار أوباما، لذا يتعذر على نتنياهو إبداء معارضة للرئيس الأميركي وخاصة أنه لم يتخذ أي إجراء يثير الامتعاض حتى الآن، كذلك لم يثبت بايدن أنه صديق لإسرائيل منذ تسلمه منصبه، وينطبق ذات الأمر على منافسي نتنياهو فعليهم التزام الحيطة من إبداء إعجابهم بشخص بايدن.
أما التفسير المعقد فإنه يتعلق بمصالح أميركا في منطقة الشرق الأوسط، وعدم ارتباطها نسبيا بما يحدث في المنطقة، فقد أخفقت الولايات المتحدة في سعيها لاحتواء إيران، كما لم تنجح في تحقيق مبتغاها في سورية، لأنها راهنت على الحصان الخاسر خلال ما يسمى بالربيع العربي، إلى جانب ذلك، فإنها لم تتقدم بحل جذري للقضية الفلسطينية، والقائمة تطول…
في الواقع، يتمثل الإنجاز الحقيقي والوحيد الذي حققته الولايات المتحدة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة في إبرام اتفاقيات “ابرهام”، أو ما يسمى اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” ودول الخليج العربي، التي نظمتها إدارة ترامب.
وفي حال سئم قادة أميركا من الانخراط في العملية السياسية الإسرائيلية غير المنتهية فمن غير المسوغ توجيه اللوم لهم، لأن الإسرائيليين أنفسهم انتابهم الملل منها أيضا، ويتمنون استراحة ولو لأمد قصير من عمليات الاقتراع، ومع ذلك، فإن إجراء انتخابات إسرائيلية دون دعم أميركي أمر يثير القلق والتوجس في نفوس الإسرائيليين. فهل يشكل ذلك دليلا على انحسار اهتمام أميركا ببلد يعتمد كل الاعتماد عليها؟ وهل تراجعت منزلة “إسرائيل” لدى الولايات المتحدة؟.
في مختلف الأحوال، يبدو أن سياسة إدارة بايدن لا تولي مزيدا من الاهتمام لشؤون الشرق الأوسط فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، ومن الواضح أنها لم تكترث على نحو واسع بالحاجات الإسرائيلية، كما لم يعد أمر من يقود “إسرائيل” من الأمور ذات الأهمية القصوى في العيون الأميركية أيضا، وإزاء ذلك، يجب ألا يتساءل الإسرائيليون “عن أفضل رئيس وزراء في التعاطي مع أميركا؟” بل “عن أفضل رئيس وزراء يدير شؤون بلادهم بدون أميركا”!.
المصدر: نيويورك تايمز

السابق