روسيا تؤكد في أحدث تصريحات مسؤوليها “أن العلاقات مع أميركا دخلت في مأزق كبير، وهي تقترب من الانهيار مع الاتحاد الأوروبي، ووصلت مع “الناتو” إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة”، وكل ذلك بفعل السياسات الأميركية الخارجة عن حدود المنطق والعقل، وفي المقابل اعتبرت بكين – التي تواجه بدورها ضغوطاً أميركية وغربية متصاعدة – “أن روسيا والصين بحاجة إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي لمواجهة الهيمنة والاضطهاد من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى”، فإلى ماذا يشير هذا التعقيد الحاصل على مستوى العلاقات الدولية؟، وما الذي ترمي إليه الولايات المتحدة من وراء سعيها لتقويض الأمن والسلم الدوليين؟
سياسة العداء الأميركية تجاه روسيا، والردود الروسية على تلك السياسة، لا جدال بأن لها انعكاسات سلبية تؤثر بشكل مباشر على الكثير من الملفات الدولية والإقليمية، وكذلك الأمر بالنسبة للصين، فلكل دولة حساباتها الإستراتيجية والسياسية، وتسعى لتحقيق مصالحها، ولكن الفارق الوحيد بين تلك الدول هو أن الولايات المتحدة تلهث للحفاظ على سياسة الهيمنة الأحادية والتفرد بالقرار الدولي، وتحشد أتباعها الأوروبيين لمساعدتها على إجهاض ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، هي من منظورها الاستعماري ترفض فكرة التعايش مع الحضور الروسي والصيني على المسرح العالمي، وتعدهما خطراً استراتيجياً يهدد أمنها القومي، بينما كل من روسيا والصين تنطلقان من مبدأ ضرورة التمسك بقواعد القانون الدولي، والميثاق الأممي للحفاظ على عالم متوازن، خلافاً للغرب الراكض وراء فرض قواعد خاصة وفق مفهوم قانون شريعة الغاب، وهو ما ترفضه سائر الدول المتضررة جراء تلك السياسة المتغطرسة.
إدارة بايدن – وهي عملياً من تقود السياسة الأوروبية أيضاً- لم تترك أمام روسيا والصين سوى خيار المواجهة، بعدما أغلقت كل أبواب الدبلوماسية والحوار، وهي تعمد لفتح جبهات صراع على النفوذ الدولي، ربما تصل لحد المواجهة العسكرية بحال غرقت أكثر في حساباتها الخاطئة، هي حتى الآن تراهن على سلاح العقوبات رغم تفشيله من قبل العديد من الدول المستهدفة بالإرهاب الأميركي، سورية على رأس تلك الدول، وأيضاً إيران وكوبا وفنزويلا وغيرها الكثير، والتأكيد الروسي الصيني على لسان وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف ووانغ يي، على رفض سياسة العقوبات، هي رسالة واضحة بأن تلك السياسة “غير ذكية” كما قال لافروف، بمعنى أنه ليس بمقدور واشنطن إخضاع الدول وفرض إرادتها عن طريق العقوبات، وهي سترتد سلباً في النهاية على الولايات المتحدة، وربما الدفع الروسي والصيني باتجاه استخدام العملات الوطنية بدلاً من الدولار الأميركي في التسويات المتبادلة بين الدول، سيكون الرد الأمثل على سياسة الإرهاب الاقتصادي التي تمارسه واشنطن بحق الدول الأخرى.
الغرب بقيادة أميركا اختار طريق المواجهة، ولكنه لن يستطيع تكريس قواعد الهيمنة إلى ما لا نهاية، ولن يكون بمقدوره تغيير مسار التوازنات الدولية لصالحه، فثمة نظام عالمي متعدد الأقطاب يتشكل اليوم، وبخطا متسارعة، ولا شك بأن صمود سورية وشعبها بمواجهة الحرب الإرهابية، كان له الأثر الكبير في تسريع عملية ولادة هذا النظام العالمي، والتحالفات الإستراتيجية لمواجهة سياسات الهيمنة الأميركية التي نراها اليوم بنيت على هذا الصمود، وإذا كانت روسيا والصين تعتبران ركائز السلام والاستقرار العالميين على حد وصف الخارجية الصينية، فإن تعزيز التعاون بين الدول الرافضة للنهج الغربي والمحبة للسلام، وحشد كل إمكانياتها وطاقاتها كفيل بوضع حد للجموح الأميركي نحو السيطرة على العالم، وضمان تثبيت الأمن والسلام الدوليين.
نبض الحدث – ناصر منذر