انشغل العالم من شرقه إلى غربه على مدى أسبوع بجنوح السفينة العملاقة “إيفر جيفن”في المدخل الجنوبي لقناة السويس، الأمر الذي عطّل حركة الملاحة البحرية في واحد من أهم الممرات المائية في العالم، وكبّد التجارة العالمية خسائر بمليارات الدولارات نتيجة ارتفاع أسعار النفط وازدياد كلفة الشحن البحري، حيث ترسو مئات السفن المحملة بالبضائع وناقلات النفط العملاقة على شمال وجنوب القناة بانتظار تعويم السفينة الجانحة واستئناف سير حركة الملاحة وعودتها إلى طبيعتها.
هو مجرد حادث جنوح سفينة عادي – يمكن أن يحدث في أي وقت إما بسبب خطأ بشري أو عوامل المناخ – ما أدى إلى كلّ هذه الخسائر الاقتصادية الفادحة، فمال بال العالم بجنوح السياسة التي يمكن أن تتسبب بكوارث وحروب وأزمات قد تستمر لعقود من الزمن، والأمر هنا لا يتعلق بعوامل المناخ أو بأخطاء بشرية، بل هو الجنوح المتعمد والمقصود والمبني على سياسات مدروسة ومقصودة لتحقيق الأطماع وفرض الاملاءات وتنفيذ الأجندات بهدف تركيع الأمم والشعوب الساعية للتحرر والاستقلال ونهب ثرواتها.
وعندما نتحدث عن جنوح السياسة فإن أوضح مثال على ذلك هو استغراق السياسة الأميركية في الجنوح عن سبيل الحق والعدل والإنسانية، وانتهاجها مسارا متوحشاً بربرياً مخالفا للمواثيق والشرائع والقوانين الدولية، وتسببها بدمار وحصار دول، وإفقار وتجويع شعوب، وموت الملايين من البشر ممن لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا هدفاً لسياسة أميركية عدوانية استعمارية جشعة تدعي قيماً مزيفة لا تملك منها أي نصيب كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد كلّف جنوح السياسة الأميركية المستمر البشرية – وأبناء منطقتنا بالتحديد – الكثير من الويلات والكوارث والحروب والمدمرة، وهو مستمر بارتكاب المزيد من الفظائع والحروب والتسبب بالمجاعات والأوبئة والأزمات، ولعل المضحك المبكي هو عرض الرئيس الأميركي جو بايدن المساعدة على السلطات المصرية من أجل تعويم السفينة الجانحة متفاخراً بامتلاك بلاده معدات لا تملكها دول كثيرة، وكان الأحرى به أن يقوم “بتعويم” سياسة بلاده التي جلبت الدمار والخراب لمئات ملايين البشر حول العالم قبل يعرض “شهامته” المفقودة، فالعالم من دون أميركا أكثر أمناً وسلاماً..!
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود