ترأس السيد الرئيس بشار الأسد منذ أيار الماضي عدة اجتماعات للبحث والتوجيه من أجل وضع معيشي أفضل للسوريين، وتوج هذا الجهد بإصدار سيادته للمرسوم رقم ٨ المتضمن قانون حماية المستهلك الجديد، وقد خصه باجتماع مع الوزراء المعنيين مباشرة بتنفيذه.
ولعل أهم إجراء للنجاح في تطبيق قانون يأخذ على عاتقه إنجاز منعطف حضاري كبير في الحياة الاقتصادية والمعيشية السورية، إنما يكمن في تعاون جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات والاتحادات والمحافظات والبلديات، من أجل إنجاحه، وتنفيذه بدقة وعدالة ونزاهة، على امتداد الجغرافيا السورية، بما تزخر به من مدن وأرياف.
استقر البحث النظري والعملي على اعتماد هذا القانون كحل للوصول إلى أسواق مستقرة، تقدم خدمة حيوية بروح وطنية، بعيداً عن الأرباح الفاحشة والاحتكار والغش.
ومن الواضح لمن يتابع الواقع الاقتصادي السوري بموضوعية، أن هذا القانون سيكون سلاحاً ضد أعداء الشعب السوري، يكسر بحدة من تسول له نفسه ارتكاب جرائم فاحشة، مثل المتاجرة بالمواد المدعومة، وتهريب الدقيق، وعدم التقيد بالأسعار الرسمية، والغش، والاحتكار.
إنه سلاح مهم في الحرب الاقتصادية التي يشنها محور الشر على سورية، من تدمير للبنى التحتية الإنتاجية والخدمية، ما أدى إلى خسائر كبيرة، وحصار جائر، وحرمان السوريين من مدخراتهم في المصارف اللبنانية التي تمتنع عن السماح لهم بسحبها وتقدر بأربعين مليار دولار، وما من شك أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى الندرة وهي أم المشكلات، وهي إغراء سيّئ للفاحشة على مختلف الصعد.
ومن المؤسف ان التراخي في ضبط الأسواق قد شجع على الاستهتار بالقانون ورجاله، وهذا ضرب من اللامعقول، وضع له المرسوم الجديد رقم ٨ حداً نهائياً، إذ تتدرج العقوبات فيه من مليون ليرة وسجن لمدة سنة إلى غرامة ٥ ملايين و٧سنوات سجن.
ولأن العبرة في التنفيذ، كان التأكيد على تعاون الجميع، فالأسواق بلا ضفاف، شاسعة شاقولياً ومتنوعة أفقياً، إذ سمحت الدولة في زمن الحرب بافتتاح ورشات ومخازن في البيوت السكنية، واضطرت إلى المراهنة على الأخلاق والضمائر الحية، في وقت توجه فيه الرجال إلى جبهات القتال.
ولعلنا الآن في وضع أفضل عسكرياً وسياسياً وسكانياً، يسمح بجعل الأسواق، بما يوجد فيها، من باعة ذوي كثرة غير مسبوقة (وربما عالمياً)، وهذا من تداعيات الحرب على سورية، تحت السيطرة.
وهذا أمر جوهري في النجاح للوصول إلى وضع معيشي أفضل، لكنه غير مكتمل إذ يحتاج إلى مكملات ستأتي لاحقاً عبر إنتاج أفضل -كماً- على الأقل لكثير من المنتجات الزراعية والصناعية، وتحسين مالي لرواتب وأجور ذوي الدخل المحدود، وتوفير حوافز مجزية للمكلفين بمراقبة الأسواق لتحصينهم ضد الغلط….الخ.
وتتوافر مؤشرات إيجابية توضح أن السعي إلى هذا المنعطف الحضاري المهم جداً والثمين -تاريخياً- هو الآن محضون بأوضاع وأحوال جيدة، مثل حل الإشكال الكبير في موضوع سعر صرف الحوالات القادمة إلى السوريين من المغتربين فغدا السعر ٢٥٠٠ ليرة بدلاً من ١٢٥٠ ليرة أي بزيادة ١٠٠% ما يوفر تدفقاً أغزر للدولار يتيح للدولة أن تدعم السوق الموازية بمستورداتها، ما يتيح لتلك السوق البيع بأسعار أرخص.
ولسنا نتجاهل أن عدة سلع استهلاكية قد انخفض سعرها، في أعقاب انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء وأن الباعة يحرصون الآن على التأكد من تاريخ الصلاحية والإعلان عن أسعار راحت تحددها لجان تقنية متخصصة لكل سورية.
أعتقد أن الحرص على نجاح هذا المرسوم من خلال سرعة التقاضي ايضاً، سيدشن عهداً جديداً حضارياً معاصراً للحياة الاقتصادية والاجتماعية لسورية، وهذا بحد ذاته نصر كبير تستحقه سورية التي غيرت العالم.
أروقة محلية – ميشيل خياط