بعد إنجاز السوريين استحقاقهم الرئاسي، وما أفضى إليه من نتائج حشرت الغرب في زاوية نفاقه وأكاذيبه، تهيئ الولايات المتحدة الأجواء لمرحلة تصعيدية جديدة تحت عنوان المتاجرة بالوضع الإنساني، وهذا واضح من خلال حملتها الدعائية المضللة لتمديد مفاعيل قرار آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، واستخدام “الورقة الإنسانية” ليس بالأمر الجديد، ولكن الخطورة في مسألة إعادة استخدامها مجدداً تكمن في نية واشنطن وحلفائها الغربيين إعادة ترميم ما بقي من تنظيمات إرهابية، لأن الهدف من الإصرار الأميركي على نقل المساعدات الإنسانية عبر معابر غير شرعية، ومن دون موافقة الحكومة السورية يعني أن الإرهابيين هم المستهدفون بتلك المساعدات، وهي “عسكرية ولوجستية” وليست “إنسانية” كما تدعي الإدارة الأميركية.
واضح أن الولايات المتحدة تحاول استنساخ مشهد عدائي آخر، سياسي وميداني، بهدف منع السوريين من قطف ثمار انتصارهم السياسي الأخير، عبر لهاثها المحموم لتكريس واقع جديد على الأرض يستهدف سيادة سورية وسلامة ووحدة أراضيها، حيث إضفاء الشرعية على معابر تنتهك حرمة الحدود والأراضي السورية، هو بحد ذاته شرعنة للاحتلال الإرهابي والتركي لتلك المعابر، ويكفي أن تكون تلك المعابر غير الشرعية عن طريق الأراضي التركية لندرك أن مجمل تلك المساعدات ستتضمن أسلحة وعتاداً جديداً للإرهابيين، ألم تشكل الحدود التركية مع سورية المعبر الرئيس لدخول مئات آلاف الإرهابيين ممن جندتهم منظومة العدوان؟ وأشرف نظام اللص أردوغان على عملية إدخالهم، تحت الغطاء الأميركي والغربي؟
المزاعم الأميركية الكاذبة بشأن الحرص على الوضع الإنساني، تدحضها الوقائع الماثلة على الأرض، المتمثلة بالحصار والعقوبات، وحري عن التأكيد بأن ما يسمى قانون “قيصر” وما يتضمنه من أجندة إرهابية مبرمجة تستهدف في المقام الأول تجويع السوريين، يتم تشديد مفاعيله في مرحلة شارفت فيها سورية على إنجاز نصرها الكامل على الإرهاب وداعميه، ونلاحظ أن أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي يطالبون إدارة بايدن بتشديد الخناق على السوريين وفقاً لهذا الإجراء العدواني الخطير، بالتزامن مع مساعي هذه الإدارة للتنسيق مع العدو الصهيوني لفرض “صفقة القرن”، ألم يؤكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن أن اتفاقات التطبيع إنجاز مهم، ستعمل إدارته على استكمالها وتطويرها؟ وأيد كذلك دعم إدارته للكيان الصهيوني لجهة استمرار احتلاله للجولان السوري؟
إذاً، استغلال آلية المساعدات الإنسانية هي وجه آخر للعدوان الأميركي والغربي لمواصلة استهداف سورية وإضعافها، بهدف تمرير مخططات ومشاريع عدوانية تستهدف المنطقة عبر البوابة السورية، فلو كانت نيات مدعي الحرص الأميركي على الوضع الإنساني صادقة، وليست مرتبطة بأجندات سياسية عدائية، لطالبوا بأنفسهم بضرورة إدخال تلك المساعدات عبر المعابر الشرعية والرسمية المعتمدة، واحترموا حق الدولة السورية بالإشراف على آلية نقل تلك المساعدات، خاصة أنها لا تزال تبذل جهوداً حثيثة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مواطنيها أينما كانوا، رغم كل ما تواجهه من صعوبات وتحديات في هذا الشأن، وسبق لمسؤولي الأمم المتحدة المعنيين أن أشادوا مراراً بتعاون الحكومة السورية في هذا الصدد.
إذا كانت الولايات المتحدة وجوقتها العدوانية حريصة بالفعل على الوضع الإنساني، فيكفيها أن تكف عن دعم الإرهابيين، وأن ترفع عقوباتها الجائرة، وتتوقف عن نهب ثروات السوريين، والأهم إنهاء احتلالها إلى جانب النظام التركي لأجزاء من الأرض، ووضع حد لجرائمهما، فجوهر الأزمة الإنسانية نابع من دعم الإرهاب الذي تمارسه وتدعمه أميركا وحلفاؤها.
بقلم أمين التحرير ناصر منذر