بمزيد من الارتباك الذي يقارب الفوضى في اتخاذ القرار، تتراجع بعض الجهات الحكومية عن قراراتها وتخفق في إيضاح بعضها الآخر، ما يعكس تماماً حقيقة اعتباطية طريقة اتخاذ هذا القرار.
خلال أيام عشرة، شهد المواطن تراجع وزارة المالية عن قرار “باعتبار النكول عن البيع عملية بيع واجبة التكليف بضريبة البيوع العقارية وفق القانون بتاريخ التصريح بالنكول”، والذي أثار ردود الفعل تجاهه لكون النكول عن البيع يعني أن العملية لم تتم والبائع لم يحقق أي تدفقات نقدية والمشتري لم يشترِ العقار محل العملية، وبالتالي لم يتملّك شيئاً ولم يضف إلى ملاءته المالية أصولاً جديدة تستوجب الضريبة.
هذا القرار كان سبباً لتوضيح، وهو توضيح أثار ردود فعل أعنف من قرار استيفاء الضريبة على عملية النكول لجهة أن “المقصود بالنكول هو طلب إلغاء عملية البيع بعد إتمام توثيقها وتسجيلها لدى الدوائر المالية”، في حين أن المعتد به هو إتمام البيع والتوثيق لدى الدوائر العقارية وليس الدوائر المالية التي تستوفي على ما تم وليس على ما سيتم!!
بعبارة أخرى وعلى اعتبار النكول عن البيع يستوجب الضريبة: هل يمكن لوزارة المالية تثبيت حقوق ما على العقار محل النكول؟ وهل يمكن للمالية إلغاء الملكية الخالصة للبائع بعد النكول على عقاره باعتباره لم ينتقل إلى ذمة مالية أخرى؟
هذا قرار نموذجي في توصيف حالة الفوضى في اتخاذ القرارات التي تمس المواطن في بعض الجهات الحكومية، في حين أن من يصدرون القرارات إنما كُلِّفوا بهذه المهام لخدمته ودراسة كل مشروع قرار من مختلف جوانبه قبل إصداره لمصلحته، بدلاً من التراجع عن قرار وتوضيح آخر بطريقة تؤكد كل ما استفزه سابقاً.
لعل الوقت قد حان لإعادة العمل بمجالس عليا تتولى المصادقة على القرارات حتى يكون القرار الصادر عن الوزارات نافذاً، تلافياً لضرر المواطن من القرارات غير المدروسة، وحتى يكون مشروع القرار قد مر بأكثر من حلقة من النقاش والتمحيص.
الكنز- مازن جلال خيربك