يعتقد البعض أن ظهوره وهو مشغول عن الدوام ميزة تحسب لصالحه، المهم أن يراه الناس مشغولاً، لكن ما الذي يشغله، وما هو الهدف، وما هو الناتج.. كل ذلك ليس مهما، مع التذكير هنا أننا جميعاً لم نصبح مشغولين من تلقاء أنفسنا حتى مع الأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها، والبقاء مرتبطين بها طيلة الوقت، ومتصلين بشبكة الأنترنت باستمرار وإنما لسببين:
الأول إما هروبنا من تحمل مسؤولياتنا الأساسية، والثاني أننا لسنا على قدر المسؤولية، مناسبة هذا الكلام أننا جميعا نتابع ونراقب وثمة مؤشرات واضحة على حالة من الخِفة تعيشها بعض مؤسساتنا الرسمية والنقابية وحتى الأهلية لا تتناسب أبداً مع ثقل المعاناة وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها والآمال المعقودة عليها، فلا يزال التخبط والتعارض والغياب والضعف هو السمة الرئيسية، ولا تزال الصورة ضبابية ومشوشة حول حقيقة أن هذه المؤسسات هي التي تقود العمل وهي التي تقرر وتراقب وتحاسب وتصحح المسار عندما ينحرف، ولعلّ الخفة لدى بعض المسؤولين في هذه المؤسسات تظهر بأجلى صورها في التعامل مع هموم الناس الأكثر إلحاحاً وغيابهم عن هذه الهموم والمسافة البعيدة بينهم وبين عامة الناس.
ومن الطبيعي عندما تتسع مثل هذه الظواهر في الحياة الإدارية فهي لا تقلّ خطراً عن الفساد لأن النفاق والانتهازية يشكلان أسلوباً كثير الضرر في الحياة الإدارية، ولأن آثارهما السلبية تشوش وجه الحياة وتعرقل الإدارة، وعلى هذا فإن النفاق والانتهازية أحد أشكال الفساد الذي ينخر في الجسم الاجتماعي والإداري وفي الإطار المحيط بذوي المناصب، ما يدفعنا للحديث عنهما والتحذير منهما، ففي بعض المواقع الإدارية والاقتصادية هناك من يتستر على ملفات الفساد ويمارس الفساد والرشاوي والتهريب والقفز فوق القوانين.
ومن أشباه المنافق والانتهازي أو من يدور في فلكهما وينسج على منوالهما مساح الجوخ والمخادع والمراوغ والمتزلف والمتسلق وذو الوجهين.. ومنهم من تنطبق عليه صفات أسوأ فهم متعددو الوجوه يتلونون بحسب ما يخدم منافعهم والادعاء بالغيرة على المصلحة العامة واستغلال الفرص و الوشاية والوقيعة والتسلق على حساب الغيورين على المصلحة العامة والآراء غير المحددة التي تحتمل التأويل في عدة اتجاهات حيث لاتدري إذا كان معك أو ضدك، ولذلك لايصلح المنافق والمتسلق لتحمل المسؤولية لأنها أمانة، ولا يستطيع أن يتصدى لها إلا الأقوياء، ولا يتحمل المسؤولية إلا من يمتلك مواصفات قيادية خاصة ومَن يتصدّى لتحمّل المسؤولية أن يكون مستعدّاً لمواجهة المشاكل وإدارة المواقف والأزمات، وأن يصنع القرار المناسب لاسيّما في المواقف الصعبة، وما عدا ذلك ليس أكثر من نفاق إداري وربما هو أكثر خطراً من الفساد المالي.
الكنز- يونس خلف