عندما قال السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم :إن العروبة قضية مصير المنطقة العربية لم ينطلق من موقف فكري فحسب، وإنما من رؤية سياسية مستقبلية عارفة وعميقة، ولذلك لم يمهد لهذا الحديث من تاريخ فكرة العروبة، وعمق تجذرها في الضمير الشعبي، وإنما من كوننا اليوم ك:« جزء من عالم هائج تتصارع أقطابه، هو غابة لا مكان فيه للإنسانية والأخلاق، حرب مباشرة أو عبر وكلاء، دعم إرهاب، إسقاط دول، تجويع شعوب، ساحة بلا حدود وبلا قواعد ونحن في وسطها، لا مكان للهروب منها أو للحياد فيها وأخطر ما فيها هو الحرب النفسية التي تهدف لترويض الشعوب بعد نسف ثقافاتها وإعادة تشكيل مفاهيمها.»
في أسوأ مراحل زمننا الراهن نبه مفكرون عرب إلى ما يؤدي إليه تشوش فكرة العروبة من ضعف في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمة العربية بكامل بلدانها، وحرصوا على تأكيد حقائق يرغب بعض المتحدثين باسم الواقعية القفز فوقها والتعمية عليها، بحجج يغلب عليها شكل الرائج الطارئ، الذي وفّرت له أسباب النشوء قوى طاغية طامعة، تلاقيها إرادة واهنة مستسلمة. وليس هذا بجديد في تاريخنا فقد عرفت أمتنا من التشرذم والانقسام الشيء الكثير أثناء حروب الفرنجة الذين أقاموا على أرض فلسطين بالذات كياناً عنصرياً غريباً استمر نحو قرنين، اقتلع حين انتصرت الأمة على فرقتها وخلافاتها وتمزقها، وهو درس لم يدركه بعض الناطقين بالعربية، فيما وعاه جيداً أعداء الأمة فجمعوا قواهم في وجه كلّ مشاريع الوحدة العربية، عملوا – ولا يزالوا – لتشويه هذه الفكرة عبر شهود زور ما كانوا إلا أدوات صغيرة في مشروع استعماري كبير. فالأخطار والتحديات التي يواجهها كلّ بلد عربي بمفرده، هي الأخطار ذاتها التي تواجهها الأمة بأكملها، مع الأهمية القصوى لتأكيد الوجه الحضاري الإنساني لفكرة العروبة الذي ينزهها عن أن تكون فكراً عنصرياً إلغائياً، وهو أمر يكتسب التأكيد عليه وإيصاله للعالم أهمية متزايدة في ظل الصورة المشوهة للعرب التي يعمل على تكريسها الإعلام الغربي بجهود غير مشكورة من بعض الإعلام العربي التابع.
وأذكر في هذا السياق حواراً جرى قبل بضع سنوات في بلد عربي مغاربي بين أشخاص من عدة بلاد عربية انتقد أحد المشاركين فيه الموقف العربي من القضية اليهودية، إذ رأى أن العرب لو استوعبوا اليهود في بلدانهم، كما فعلوا مع غيرهم من المهاجرين واللاجئين الذين جاؤوهم من بلاد شتى، لاستطاعوا الإفادة من خبرات الناجحين منهم كما حصل مع من سبقهم من الوافدين، لكن ما غاب عن حديث المتحدث – جهلاً أو قصداً – أن اليهود العرب كانوا أصلاً جزءاً من الأمة وتاريخها ، وأن الكثير من اليهود الأوروبيين قد وجدوا ملاذاً آمناً في بلاد العرب حين أخرجتهم من بيوتهم حملات الاضطهاد العنصري. أما إسرائيل فهي لم تكن يوماً ملجأ لليهود العرب لأن هؤلاء كانوا يحيون حياة طبيعية في بلادهم، وقد أجبروا على مغادرتها بفعل المنظمات الصهيونية وحدها، وما مارسته من ضغوط وإرهاب عليهم، ومن ثم تعرضوا لأبشع عملية محو لثقافتهم وتاريخهم.
هي حقيقة يجب ألا تُنسى ومعها حقيقة أن إسرائيل أريد لها منذ إنشائها أن تكون كياناً غريباً معادياً لجسم المنطقة وهي لذلك الخطر الحقيقي فيها.
إضاءات- سعد القاسم