في قراءة مُتأنية لخطاب القسم وما فيه من مُفردات ومَعانٍ للثُنائيات القيمية المُحاكاة المُتقنة للغايات الوطنية النبيلة حيث تَعددت العناوين التي نسجت العلاقة بينها بعناية فائقة، فكانت الحصة الأكبر للفكر والوعي والثقافة والهوية والانتماء، وهذا ما يدفعنا لجعل هذا الخطاب وثيقة وطنية بامتياز، فعندما يؤكد سيادته على أن الوطنية شعور عظيم في النفس وتطبيق على أرض الواقع بسلوكيات مستمدة من صدق هذا الشعور وبعيداً عن التصنع والنفاق، فهذا يعني أن كل منا قادر على ترجمة ذلك على أرض الواقع بأفعاله التي تصب في مصلحة وطنه بمصداقية عالية، فالوطنية والانتماء تبدأ من أصغر لبنة وهي الأسرة فرب الأسرة يطبق مفهوم الوطنية بالالتزام بواجباته نحو أسرته من خلال تربية أبنائه التربية الصالحة التي تقدم للمجتمع أبناء صالحين متعلمين منتجين يقدمون لوطنهم وينتمون له.
من هنا يعتبر الانتماء للوطن من الاحتياجات المهمة التي تشعر الفرد بالرابط المشترك الذي يربطه بأرضه وبأبناء وطنه، وسيؤدّي هذا الشعور إلى صقل توجهاته بحيث تتحول إلى توجهات تهدف إلى خدمة الوطن والمجتمع والتفاني والتضحية من أجله، والمشاركة في إعماره التي ستشعره بقيمته الحياتيّة التي ستنمو مع الأيام والسنين، ومن القيم المهمة للانتماء للوطن والتي يجب العمل بها وعدم التغاضي عنها إبراز قيمة الوحدة الوطنيّة، وتحويلها لهدف يعمل الجميع على تحقيقها على أرض الواقع والمحافظة على استمراريتها.
فالوطن كما هو معروف هو تاريخنا وجذورنا، وهو بالتالي مخزوننا الثقافي وكل ما يمت إلينا بصلة، والانتماء للوطن هو الانتماء لمكونات الإنسان الحقيقية وشعور لا يأتي فجأة وإنما يأتي من خلال الارتباط النفسي والروحي بتراب الوطن.. فوطن الإنسان هو أهله وعمره وبيته ومشاعره وفرحه وحزنه ونبض قلبه.. إنه كل مكونات حياته فمن منا لا ينتمي لكل هذا.
شعور الانتماء على أرض الواقع يتطلب منا الكثير، فهو ليس مجرد كلام وشعارات وإنما التزام بالثوابت الوطنية ومشاركة فاعلة في دفع مسيرة التطور والتقدم بما يحقق مصلحة الوطن، والفرد هو أهم عنصر من عناصر الوطن فهو يشكل حلقة من حلقات مجتمعه ابتداء بالأسرة فالمجتمع وانتهاء بالدولة التي ينظم أمور أفرادها الدستور ومجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم علاقاتهم ببعضهم البعض.
إن الوطنية قيمة راسخة في نفس كل منا نشأ في بيئة نقية طاهرة يترجمها من خلال مجموعة من السلوكيات المنضبطة مع مصلحة الوطن التي لا يعلو عليها أيّ مصلحة أو ولاء أو محبة لا لمنهج ولا لحزب ولا لفكر مستورد، فهي بذلك تحتاج لتضحيات جسام، والقارئ للتاريخ يجد أن الكثير قد ضحى بحياته من أجل وطنه ودفاعاً عن أرضه، فالوطنية ليست مجرد كلمة تمر على الأسماع أو شعاراً للأشخاص الذين يجعلونها رمزاً للوصول إلى مآرب شخصية أو مفتاحاً لأبواب السياسة للمنتفعين الذين يكثر ظهورهم في المناسبات الوطنية والاجتماعية ويتغنون بها بأفصح الكلمات والمعاني.
من كل ذلك لا بد من القول إنه مطلوب من وزارتي التربية والثقافة دون غيرهما ومعهما المجتمع من تكثيف الجهد في إعطاء هذه المصطلحات الأهمية القصوى في المناهج التربوية والثقافية.
حديث الناس- اسماعيل جرادات