كالتماثيل، بات معظم أفراد العائلة، حيث انزوى كل منهم في ركن من أركان الغرفة، أو في غرفة من غرف المنزل بعد أن أوصدت الأبواب وبات كل واحد يعيش في عالمه الخاص غير عابئ بما يجري حوله!
قد تجمعهم مائدة الطعام أحيانا، لكن عالم الانترنت الواسع والمخيف استطاع أن يفرقهم ويشتت شملهم ويجعل منهم مجرد تماثيل بشرية لا يكلم أحد منهم الآخر ولا يعير إليه انتباهاً إلا في حالات خاصة واستثنائية جداً، حتى إن قرر الأب أو الأم كسر هذه الروتين اليومي والخروج في نزهة، إلى حديقة أو متنزه، يسارع كل واحد من أفراد العائلة وقبل كل شئ إلى شحن جواله حتى لا ينقطع عن عالمه الافتراضي وحتى يكمل ما بدأه داخل المنزل من شتات وغربة وسفر طويل، حتى أنه لمن المضحك المبكي أن تجد بعض العائلات قد جلست على طاولة واحدة في حديقة أو متنزه لكن أفرادها كل في عالمه المختلف عن الآخر.
فهل من المعقول أن يحولنا ذلك التطور الحضاري والتكنولوجي إلى مجرد أصنام وتماثيل؟، وهل من المعقول أن نسلم أنفسنا له لقمة سائغة، لاسيما وأنه يحمل في كثير من جوانبه المخاطر والسموم والاستهدافات الممنهجة والمقصودة التي يواظب الغرب الاستعماري على تصديرها لشعوبنا من أجل تفكيكنا وتدميرنا من الداخل؟.
الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها جميعاً، أن ذلك التقدم الحضاري قد نجح في إصابة هدفه بدقة عالية، أي أنه استطاع أن يحدث شرخاً وتصدعاً كبيراً في قيمنا ومشاعرنا ووجداننا وأحاسيسنا التي بات يلفها الصدأ من كل اتجاه.
مسؤوليتنا جميعاً، مجتمع وآباء وأمهات وأسرة، أن نواجه هذا الطوفان قبل أن يبتلعنا، عندها نكون قد هُزمنا بأيدنا في وقت لم يستطع فيه أعدائنا وما أكثرهم هزيمتنا في الميدان.
عين المجتمع -فردوس دياب