أقامت إحدى الجامعات دورة تدريبية رفيعة المستوى، أحد محاورها إدارة الوقت الذي معظم الناس لا يشكل عندهم موضع اهتمام.. حيث لا قيمة للوقت في حياتهم. هذا ينطبق على معظم ما يدعى ببلدان (العالم الثالث) تسمية لا أفضلها أشعرها مهينة.
ضمن أحد الأمثلة التي طرحها عنايته أنه أثناء دراسته في إحدى الدول الغربية تأخرت حافلة النقل إلى الجامعة عشرين ثانية.. ما جعل السائق يعتذر للطلبة فرداً فرداً عند وصولهم. أورد الرجل المثال إثر تأخر بعض الحضور عن الموعد المحدد.
في هذا الاعتذار الكثير من السعادة لقلوب المعتَذر لهم فيه لذة إنسانية واحترام يضيف للمرء قوة وقدرة، لأن يكون قدوة في احترام الوقت، وعدم هدره تحت أي ظرف. لتكن أنت زهرة لا تنبت في كل الحدائق.. كن قنديلاً لا يضاء إلا بيد الأنقياء.
احترام الآخرين سلوك راقٍ قد لا يواجَه بالإيجاب من بعض الناس، دلالة نقص إما في التربية.. وإما عدم ممارسة للسلوكيات الحسنة.. أو نتيجة عجرفة فارغة أو غرور مصطنع. ظناً أنه يوسِّم في النرجسي المغرور قيمة تُميزه عن خلق الله. تلك سفاهة..
تكرار احترام الغير وإن كان في نظر الكثيرين لا يستحق.. يشذب سلوكه ويجعله بالتعويد يؤدي الاحترام لذات الشخص، ثم لغيره، حتى يصبح سلوكاً يحتذى به مع الجميع. في احترام الأشخاص يُحترم الوقت ويصبح ذا قيمة متبادلة بين الجميع..
ما كان الاعتذار يوماً نقيصة في المعتَذِر، بل هو فضيلة ينعم بها مُمارسها، كم كبرت وزيرة الصحة الإيطالية بعيون من يقدّر حين اعتذرت للشعب الإيطالي لما أخطأ طبيب في عمل جراحي أودى بحياة مريض، واعتبرت استقالتها أقل اعتذار.
الاعتذار يعلم المرء تجاوز الخطأ المُرتَكب والجنوح عنه مستقبلاً.. بعيداً عما فعله أردوغان من نكث للوعود والمواثيق بصلافة جائرة في ادعائه أن لا مطامع له في سورية. ماذا لو كان الخطأ متعمداً كما يفعل وبحق شعب كامل، جوراً وتعطيشاً.
في وقت مضى عصبة الأمم تسببت في قرار لها نكبة للشعب الفلسطيني أضاعت منه الأرض والأمان فأردته حتى تاريخه مشرداً بين الدول، البعض قَبِلَهُم جزءاً من مجتمعه، وآخرون يضيّقون عليهم الخناق (أغراباً) لا يعرفون وجهة.. ولا نهاية..
اليوم يمارس على أبناء سورية ما كنا ندرسه في الكتب فقط، من ممارسات هولاكو وعصابات الهاغانا والعثمانيين الأبالسة.. في استحضار أردوغان لما فعله أجداده علّه يحقق ما نالوه بالبطش والعنف وبالعنجهية ذاتها لكنه تفوق عليهم بالمراوغة..
نكث أردوغان بوعوده التي قطعها أمام الروسي في سوتشي وناقض بتصرفاته الصلفة كل ما أعلنه مراراً في غير محفل أن لا مطامع له في الأرض السورية، مؤكداً ذلك في اجتماعات ترويكا الضامنين في كازاخستان.. هاهو يغتصب الأرض السورية ويتمدد في الشمال مغيراً الجغرافيا والديمغرافيا ومعالم الحياة الاجتماعية.
كان العالم يطالب أردوغان بتقديم الاعتذار، عما فعله أجداده السلاجقة بأهلنا الأرمن في مذابح سفر برلك، وكان خفف وطأها الشعب السوري، محتضناً الهاربين منهم حتى لم يخل منزل إلا واعتبرهم جزءاً من أبنائه محافظاً على أرواحهم وكراماتهم..
تلك هي المفارقة بكل تفاصيلها فما أشبه اليوم بالغد.. أردوغان يسعى لاستعادة سيرة أجداده على حساب الأرض السورية وشعبها، بالحقارة اللاإنسانية ذاتها معطشاً أهل الجزيرة السورية بقطع ماء الفرات وينابيع علوك عنهم غير آبه بالنتائج الكارثية..
هل تعتذر الأمم المتحدة عن قرار عصبة الأمم في إعطاء فلسطين وطناً قومياً لليهود.. هل يعتذر أردوغان للأرمن، هل تعتذر أمريكا لليابان عن ناغازاكي وهيروشيما.. كم من الاعتذارات لابد من تقديمها للسوريين ممن خربوا حياتهم وبلادهم… هل يعتذر حيتان السوق ودواعش الداخل عن معاناة الشعب السوري الإنسانية تحتاج كمّاً هائلاً من الاعتذار..
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش