ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تستعر المعركة المفتعلة مع داعش، وتسبقها – أو بالتوازي معها – جبهات إثارة الغبار الذي يغطي الفضاءات المسلوبة والمستباحة، فيضيع الحابل بالنابل، وتتماهى هوية المتعاركين وانتماءاتهم في عملية خلط الأوراق الجديدة على قاعدة قديمة، بلبوس جديد تحت راية محاربة القاعدة!!
التي يتزاحم مشغّلوها على استنساخ الأسماء والمواقع والأدوار.
ورغم أنه ليس من الصعب الإسهاب في شرح مطوّل للعلاقة الجازمة بين من جاء مرسلاً من القاعدة ليقاتل على الأرض السورية، وبين من يقتتل داخلها اليوم على وقع الشعارات والمزاعم وحالات النفاق المستوردة، فإن المسألة ليست في تلك التصاميم المزدوجة التي تتعاطى بأكثر من وجه مع الحقيقة، ولا في الغرق بتفاصيل تأكيد المؤكد، بقدر ما هي في الرسائل التي تحملها «مبادرة» الاقتتال حتى إشعار آخر، حيث تكثر التحالفات وتنتعش الأحلاف على وقع الأنقاض.
فإذا كان الافتراض بأن أميركا قررت أخيراً إضفاء الشرعية على قتال القاعدة بوجهها المدرج على لائحة المنظمات الإرهابية، كالنصرة أو ربيبتها المنسية عمداً «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فإن عملية التعويم لمسخها الإرهابي الجديد «الجبهة الإسلامية» تستدعي جملة من الأسئلة وتستنفر حواملها الموضوعية على أرضية من التباين الواضح في المحاكاة الأميركية للعملية برمتها، والتوقيت الذي يسبق المؤتمر الدولي، لتكون «الجوكر» في لعبة الرهان والأوهام.
فالجبهة الوهابية كبديل من الأصل القاعدي القائم، هي عبارة عن فلول منهزمة من تنظيمات سابقة كانت حتى الأمس القريب تدّعي وحدانية الأصل، وأن النصرة جزء من حراكها، وتمّ تجميعها من بقايا الإرهابيين المتوارين عن أنظار وحسابات داعش والنصرة معاً على عجل، لتكون بيضة القبان المنتظرة في عملية تعويم التنظيمات الإرهابية، بناء على النظرية السعودية في تبييض صفحات التنظيمات الإرهابية، وقد خبرتها في عهود عملها المنظم مع القاعدة نشوءاً وتطوراً ومن ثم انفلاشاً، وهي بذلك تحاول أن ترسم خطاً فاصلاً بين إرثها المتراكم في العلاقة مع القاعدة وبين الوجه الجديد لوهابيتها الذي تترجمه اليوم «الجبهة الإسلامية».
وبالتالي فالعملية من أولها حتى آخرها محاولة أخيرة لتصدير الإرهاب السعودي بوجهه الحقيقي الوهابي، بعد أن صدئت الأسماء القديمة والمشتقات الخارجة من رحم القاعدة، وكان الأمر يقتضي افتعال تلك المعارك على جبهات متعددة من السياسة.. إلى الدبلوماسية، مروراً بالإعلام، وكانت أن حطت رحالها على الأرض في تلك الجبهات المشتعلة بين «داعش» و«الملالي» الوهابية المتمثلة في «الجبهة الإسلامية»، وهي مدعومة بحراك أميركي سابق وموازٍ ولاحق يعتمد على اللهاث للاتصال بها، من أجل أن يكون أمر العمليات المباشر واضحاً وصريحاً في المدى المسموح به، وفي الزمن.. وفي السقوف أيضاً.
وإذ تقف الأسئلة حائرة أمام تطورات مشهد يتجه حسب الطلب ووفق الغاية، فقبل أشهر كانت «داعش» أينما حلت تزيح كل التنظيمات الأخرى، وتسيطر على أي موقع لهذه التنظيمات تصل إليه، ومع تقدمها تحوّل الهيكل المصطنع لما كان يسمى الجيش الحر إلى بقايا متصارعة على الانضواء تحت أجنحة مختلفة، وفجأة يتغير الاتجاه، وتصبح بقاياه وشظاياه قادرة بين ليلة وضحاها على دحر «داعش»، والاستيلاء على أماكن حضورها.
لا نعتقد أن بمقدور أميركا وربيبتها في الإرهاب السعودية أن تستغفل العقول دائماً، ولا أن تتعامل باستغباء مع العقل البشري والمجتمع الدولي إلى هذا الحدّ، ولا أن تقدم مسرحيتها الهزلية بهذا الإسفاف، فاللعبة مكشوفة، والإرهاب الذي تمارسه الوهابية هو ذاته، وربما أخطر مما قامت به القاعدة حتى الآن، بل يتفوق عليه، وما ارتكبته عبر مسماها الجديد «الجماعة الإسلامية» من فظائع في عدرا العمالية وغيرها شاهد إثبات، وقرينة محاججة لا تنتهي بالتقادم.
وتبقى المعضلة أن أميركا التي تفتح حرب «داعش» وتشعل جبهاتها في غير موقع، لا تستطيع أن تتبرأ من معارك الوهابية المعلنة والمضمرة… بالأصالة عن نفسها أو وكالة عن الأميركي والإسرائيلي، وهي تفتح الباب على حروب تمتد وتتسع باتساع الدعم الذي تتلقاه، والإرهاب الذي تنتجه اليوم هو ذاته الذي أصابها يوماً حتى لو اختلفت الراية أو تغير الشعار، والتاريخ شاهد على ما اقترفته الوهابية من حروب امتدت عقوداً، وبعضها متواصل منذ قرون، وقرينتها معاركها التي تستعر اليوم، حيث المقارنة قائمة ما دامت يد الإرهاب الوهابي تتشابك مع الأصابع الإسرائيلية، لتكون اللعبة الأميركية مستمرة في شد حبال الإرهاب بين «داعش» تارة وبدائلها في التكفير والظلامية من ألوية القتل إلى الوهابية الظلامية.
a.ka667@yahoo.com