المصطلح الذي أطلق على كل من وُلد في القرن الحادي والعشرين لم يقف عند التسمية فقط بل إنه تجاوزها إلى المواصفات التي سينتمي إليها هذا الجيل الجديد، ذلك لأنه قد تجاوز واقع أجيال كثيرة سبقته في قرون مضت.. فأبناء (ألفا) قد ولدوا في عصر الثورة التكنولوجية، واعتبر استخدامهم لأدواتها منذ سنوات أعمارهم الأولى ثورة بحد ذاتها حيث يتقن أحدهم تعامله العفوي مع الذكاء الصناعي بما يفوق أضعاف ما يمكن لجيل الآباء أن يحققه.
إن سهولة التعاطي مع مفردات جديدة لعصر جديد، وألفية ممهورة بتطور علمي فائق منذ لحظاتها الأولى ما جعل جيلاً كاملاً يتفرد إن لم نقل يتفوق على من سبقه بنسق تفكير مختلف.. وجيل (ألفا) هذا الذي يسمى أيضاً بالجيل الرقمي الأول، والذي اعتاد على التفاعل مع الذكاء الصناعي، ويعتبره جزءاً من حياته، وليس من الخيال الذي يتنبأ به كتّاب الخيال العلمي، هو الأنسب، والأصلح لأن يُستقطب إلى مجالات مهن، ووظائف، واختصاصات علمية جامعية، وما فوق الجامعية مما لم يكن رائجاً، ولا مألوفاً من قبل، وذلك بسبب ما اكتسبوه بالممارسة من المهارة التقنية التي تؤهلهم بالتالي للعب أدوارهم كما يجب عليهم أن يفعلوا.
وها قد أصبحت لدينا الآن مجالات للوظائف، والأعمال تدعمها الاختصاصات العلمية الحديثة التي فتحت أبواب الجامعات لها واسعاً، كما قد فتحت هي الأخرى بالتالي باباً واسعاً للاختيار بين فروع العلم.. إذ لم تعد المهن التقليدية تجتذب إليها مريديها كسابق عهدها بينما الذكاء الصناعي يتسلل إليها بهدوء في الهندسة، والطب، والمحاماة، والزراعة، وغيرها، ليصل في النهاية إلى أن يحل فيها مكان العنصر البشري.. فالاهتمام المقبل إذاً لمهن المستقبل هو في تطوير مفردات الذكاء الصناعي ليخدم مكان الإنسان في مجالات عدة.
مَنْ كان ليظن قبل سنوات قريبة أن تتسارع عجلة التطور العلمي والتقني بشكل يختصر قروناً من الزمن حتى يكاد شكل الحياة الإنسانية يتغير يوماً إثر يومٍ مع دخول مفاهيم جديدة تفرزها هذه المرحلة اجتماعياً، واقتصادياً، وحياتياً.. وحسب رأي أحد علماء المستقبليات أن: التقدم العلمي الذي ستشهده البشرية خلال مئة عام قادمة سيتجاوز آلاف الأعوام بمقياس يومنا هذا، وما ستقوم به التكنولوجيا بتطورها العميق والسريع هو بمثابة تمزق في نسيج التاريخ البشري.
واقع جديد سنشهد جزءاً منه قبل أن تشهد أجيال من الأحفاد استكماله، وقلوبنا ترتجف فضولاً، وتوقاً لما سيأتي به هذا المستقبل إلى جانب ارتجافها حيال ذلك التعبير الذي يصف التسارع التقني وكأنه الوحش الذي سيمزق نسيج تاريخنا البشري.. فماذا إذاً ما سيمهد له جيل (ألفا) الذي تفتح وعيه مبكراً، والذي ازدادت خبرته في التعامل مع التقنيات الحديثة بشكل كبير بعد ما حلَّ بالعالم من جائحة غيرت وجهه، وسرَّعت من موجة الأتمتة، كما وسَّعت دائرتها.. هذا الجيل الرقمي سوف يسرّع من عجلة الثورة التقنية خاصة وأن التعليم آخذ بالاتجاه أكثر فأكثر نحو العلوم الحديثة، وشركات التكنولوجيا تترصد على أبواب الجامعات جيلاً كاملاً يتخرج منها ليعمل لديها في مجال وظائف التكنولوجيا العليا، والذكاء الصناعي، والكمبيوتر الكمي فائق السرعة، والخدمات الرقمية، والحوسبة السحابية، وتكنولوجيا الفضاء، ومعالجة البيانات كثروة جديدة تعادل ثروة النفط، والواقع المعزز، وإنترنيت الأشياء، وتقنيات أجيال لاسلكية ما بعد الجيل الخامس منها، وغيرها من التسميات التي لا تفصح بسهولة عن عمق أدائها، ومما سنفاجأ به ويدهشنا، ويفتح مجالاً واسعاً للخيال المُلهم.. كل هذا مقابل عددٍ ليس بقليل من الوظائف التي اختفى بعضها منذ الآن وسيختفي الباقي منها بعد وقت قصير.
وإذا كانت الطائرات التجارية، والسيارات، والقطارات، وغيرها، على سبيل المثال لن تعود بحاجة إلى عنصر بشري ليقودها مادام الآلي يستطيع أن يقوم بمهمته فلاشك أن اختصاصات علمية دقيقة جداً ستكون بحاجة لمن يدرسها ليتحقق كل ذلك، وما هو أبعد منه أيضاً، مادامت التكنولوجيا تتجه نحو الدقيق منها والأكثر دقة.. ومادامت حلبة المنافسة بين أبناء (ألفا) قد فتحت ساحتها واسعاً لأصحاب الوظائف المستقبلية الجديدة.
لكن هذا لن يجنبنا مخاطر محتملة، وربما غير متوقعة.. وجيل (ألفا) سيجد نفسه أمام التحدي الكبير حينذاك ليصبح مطالباً بأن يجد الحلول.. فهل حقاً سيفعل؟.
إضاءات – لينـــــــا كيــــــــلاني