قراءة في كتاب.. أيام عشناها وهي الآن للتاريخ – الجزء الثاني

 

16.jpg

الثورة أون لاين:

تأليف الدكتورة نجاح العطّار

عرض وتحليل الدكتور خلف الجراد

مجدداً تأخذنا الأديبة المتألقة والكاتبة القديرة، السيدة الدكتورة نجاح العطار – نائب رئيس الجمهورية – بجولة مدروسة بدقّة وعمق نحو مجموعة محطات ذات أهمية وتأثير وتقاطعات متداخلة (في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي)، سواء على سورية أو لبنان أو فلسطين أو على عموم المنطقة العربية.
كتابها الذي بين أيدينا اليوم هو الجزء الثاني من كتابها “أيام عشناها وهي الآن للتاريخ”.. (ويمكنكم إن أردتم قراءة دراستنا منه للجزء الأول في صحيفة “الثورة”، عدد 15 حزيران 2021)، الذي يتّسم بأهمية كبيرة, لكونه ليس عملاً توثيقياً – كما يوحي عنوانه- وإنما لربطه الموضوعي والسياسي والجدلي، أحداث الأمس بما جرى ويجري اليوم على الساحة نفسها، وإنْ كان ذلك ليس بصورة آلية وميكانيكية، بل بأشكال وألوان وتجليات جديدة تناسب التطورات التي حصلت في العقود اللاحقة. فالقوى الإمبريالية – الاستعمارية الصهيونية لا تزال هي ذاتها ومطامعها وخططها ومؤامراتها لم تتوقف دقيقة واحدة، وإنْ تغيرت مسميات أذرعها ومخالبها وأدواتها.
في مقالها الأول بهذا الجزء تكتب السيدة الدكتورة العطار تذكرة أقرب للتحليل السياسي الذي يحاول الابتعاد إلى حدّ ما عن العاطفة وغلبة المشاعر الوطنية والقومية والإنسانية في الذكرى السنوية الأولى “لمذبحة صبرا وشاتيلا” (التي حصلت في 16-18 أيلول 1982)، مؤكدة أن مجد فلسطين وتضحيات شعبها منذ مطالع القرن العشرين هو العنوان الأعظم، واستعادة الأرض هو الهدف الأسمى.
ومذبحة صبرا وشاتيلا هي “فاجعة تجلّ عن الوصف”، ومهما مضى عليها من أعوام وأحداث ستبقى ماثلة في العقول والقلوب والذاكرة الجمعية لأمتنا “ونحن اليوم، كما في الأمس، وكما في الغد، نذكر المأساة، وسنظلّ نذكرها، لأن ما انحفر في القلب، كما على شجرة أبنوس، كان تاريخاً أسود للسفاحين، وتاريخاً أكثر سواداً لحماتهم، وتاريخاً ناغراً إلى أن يوفى الثأر”.
وتستعرض الدكتورة العطّار في هذا السياق اصطفافات القوى السياسية في لبنان وفي الساحتين العربية والدولية، محلّلة بدقة العارف والمتتبع لألاعيب القوى المعادية وتحركات عملائها في المنطقة؛ مستخلصة أن “تجديد الرئيس الجميّل (أمين) مطالبة “إسرائيل” بالتدخل العسكري لصالحه، لن يقدّم أو يؤخر في الموقف”.
في عام 1982 وعلى أثر زيارتها لمدرسة بنات الشهداء، حيث كان هناك احتفالية بمناسبة عيد الجلاء، استفاضت الدكتورة العطار بالتعبير عن عواطفها النبيلة تجاه هؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم الشهداء، وتابعت عن كثب البرامج التربوية والتعليمية والعملية التي تطبقها إدارة كفوءة مخلصة للشهداء ورعاية حقيقية لأبنائهم، وتجسيد لرؤية وقرارات صاحب ومؤسس الفكرة وملهمها وراعيها الرئيس حافظ الأسد.
“فالجدلية الرائعة، في معرفة فضل الشهداء، وفي استشعار أبنائهم قيمة الرعاية المحاطين بها، تمنح الموت في سبيل الوطن معنى بالغ الدلالة، فيه تضحية و فيه وفاء، يقابلهما تكريم لهم، ورعاية أبوية فائقة، لأولادهم، ما يعطي للشهادة قيمتها الوطنية والقومية الكبيرة، ويؤكد أن الشهداء، في نظرة المواطنين، أنبل بني البشر حقاً وصدقاً {إذ لم توجد في حق الشهداء كلمة عظيمة ككلمة الرئيس الخالد حافظ الأسد: “الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر”}، وبقدر ما نبرز هذه الرموز في تربيتنا الوطنية، نسهم في تشكيل وعي ناشئتنا تشكيلاً صحيحاً، يقوم على المفاداة وعلى حب الوطن، وعلى معرفة أن الوطن لا ينسى الذين أحبوه وافتدوه بأرواحهم”.
لدى استعراضها لأبرز الأحداث التي كانت سائدة في بداية السبعينيات، والتي واجهت الحركة التصحيحية في سورية منذ قيامها، تؤكد الدكتورة العطار أن الرئيس حافظ الأسد استطاع استيعاب مفاعيلها بسرعة ومرونة وذكاء قيادي عال، ونجح في ذلك تماماً؛ ومن هنا فقد ركّز في الاجتماع الأول لمجلس الوزراء على حزمة من الأمور والقضايا الداخلية المحورية.
وكانت حاضرة في هذا الاجتماع المهم {حيث كانت وزيراً للثقافة من 1 كانون الأول 1976 ولغاية 19 كانون الثاني عام 2000}، والذي جاء بعد مضي حوالي شهر على اختتام المؤتمر القطري السابع لحزب البعث العربي الاشتراكي، مستلهماً الكثير من مهماته وواجباته وتوجهاته الأساسية من مقررات المؤتمر المذكور. فقالت في ختام عرضها لأبرز توجيهات الرئيس الأسد: “لست متفائلة بالمرحلة الجديدة فقط, بل مطمئنة أيضاً، والطمأنينة هنا مبنية على وقائع، وتجارب، ومفهوم علمي لمنطق التاريخ”.

في مناقشتها العقلانية الهادئة لتصريحات “موشيه آرينز”، وزير حرب الكيان الصهيوني الجديد (في عام 1983)، التي أطلقها بصخب وعدوانية وغطرسة ضد لبنان، وهو الذي كانت قواته الغازية تجثم آنذاك على جزء كبير من هذا البلد الشقيق، تربط الدكتورة العطار بين المطامع الصهيونية في لبنان والأراضي العربية الأخرى والاستراتيجية الأميركية في هذا المجال.
وقد أثبتت الأيام والوقائع صحة الرؤية السورية للموقف في “الشرق الأوسط” برمته، والذي يؤكد على الحاجة الماسّة لتحقيق توازن استراتيجي (بالمعنى الشامل لهذه الكلمة) مع العدو الصهيوني، ورفض الدعوات المشبوهة للالتحاق بقطار “كامب ديفيد” والتطبيع مع هذا العدو الغاصب الاحتلالي التوسعي العنصري.

وبعد تخصيصها لعدد من المقالات لمناقشة الوضع اللبناني والمخططات الأميركية – الصهيونية بشأن سورية ولبنان وفلسطين، تؤكد مجدداً بأن سورية التي يقودها حافظ الأسد، الذي خبرناه وهو يواجه المصاعب بالابتسام، ويرتفع على الشدائد بالإرادة، ويردّ على التهديد والوعيد بالاستعداد، وعلى الخوف بالشجاعة.. لن تستسلم أبداً ولن تهزم؛ وشعبنا الأبي لا تهزه التهديدات والعنجهيات، وهو لا يخشى الثمن من أجل كرامته وسيادته “وهذه كلمتنا، وهي الكلمة القاطعة”.
ونقول لأولئك العملاء الذين يهددون ويتوعدون باسم “الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي”: إن هذا الاتفاق ولد ليموت، بل هو ميت منذ الآن!! {وبالفعل فقد ألغي هذا الاتفاق – اتفاق 17 أيار 1983″ بين حكومة الرئيس أمين الجميّل والكيان الإسرائيلي تحت ضغط الرفض الوطني الشعبي الهائل، وقبل المصادقة عليه بعد أقل من عام، وذلك في 5 آذار 1984}.
في العام 1983 كتبت الدكتورة نجاح العطار سلسلة من المقالات تناولت محاور الخطط الأميركية – الإسرائيلية في “الشرق الأوسط”، ودور الرئيس السادات في تنفيذ جزء من تلك المحاور، ومحاولة “إسرائيل” المستميتة لتفريغ الجنوب اللبناني من أهله واقتصاره على الجيش الصهيوني وعملائه {لكنهم كما نعرف طردوا شرّ طردة، وتعرضوا لهزيمة مذلة على يد المقاومة الوطنية العظيمة في 25 أيار عام 2000}.
وتتمة لهذه السلسلة المهمة من المقالات، نقرأ للدكتورة العطّار مقالات أخرى تطرح البديل الواقعي عن “اتفاقية 17 أيار” سيئة الذكر، والتحضيرات الإسرائيلية للعدوان على سورية، لكسر شوكتها وقوتها العسكرية ولثني مقاومتها للمخططات الأميركية – الصهيونية، بالاستعانة ببعض الأدوات والأحزاب المعروفة في لبنان، الضالعة بالاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية، لكن ذلك كله لا يخيف سورية وقيادتها ولن يدفعنا للتراجع والاضطراب والتنازل عن الحقوق أو ذرّة من ترابنا الوطني المقدّس.
وهكذا فشلت خطة الرئيس أمين الجميّل مع المسؤولين الأميركيين التي وضعت في أثناء زيارته لواشنطن، والتي تقضي بأن تنسق “القوات اللبنانية” ثم الجيش اللبناني حرباً ضد سورية، حيث رأت الدكتورة العطّار أن هذه “الخطة” الخيالية ليست سوى “نكتة بائخة”.
ومن اللافت أن “الجميّل” الذي وعد أن يكون لكل اللبنانيين كان “للكتائب” والقوى الانعزالية وحدها، أما العملاء والخونة الذين زعموا أنهم “يمنحون الشرعية” للاحتلال الإسرائيلي للبنان، فهم لن يستطيعوا أن يمنحوا أي وجود شرعي له، ولن يكسبوا سوى الذل والعار.
وتؤكد الدكتورة العطّار أنه لا مطامع إقليمية لسورية عند أحد من الأشقاء، لكننا – في الوقت نفسه – لن نسمح لأي كان أن يتحول إلى رأس حربة موجهة إلى صدر بلدنا وأمن قواتنا المسلحة.
وتواصل الدكتورة العطّار تحليلاتها العميقة الواقعية وقراءاتها الدقيقة لأحداث تلك الأيام (عام 1983)، مشيرة بصورة مستمرة إلى النقطة المحورية وهي: أنّ العدو الصهيوني هو الخطر الأكبر في المنطقة لوجودنا وأمننا جميعاً، وأن الوطن الذي يريده الانعزاليون والسائرون في نطاق مخططات العدو (وفي مقدمتهم حزب “الكتائب”) هو وطن “التحالف مع إسرائيل”، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا!.
وفي هذا الإطار نقرأ في الكتاب مجموعة أخرى من المقالات التي تشكل إرهاصات حكيمة لما جرى لاحقاً، مثل الإنزال الأميركي في الأراضي اللبنانية، والذي كان يراد منه تشكيل مقدمة للقوة التي ستشن حرباً شاملة على سورية. في حين أصبحت أميركا في مأزق هنا، وليس أمامهم غير الرحيل، وترك اللبنانيين يحلون أمورهم بالحوار الوطني الشامل للجميع.
في مقالها الأخير ضمن هذه السلسلة المتكاملة تقول السيدة الدكتورة نجاح العطّار: إنّ في المنطقة خطراً وحيداً هو الخطر الأميركي الإسرائيلي، ويفترض بأشقائنا العرب أن يعرفوا ذلك جيداً، ويحسن بـ”ريغان”، إذا كان جاهلاً بحقائق التاريخ والجغرافيا والعالم، أنْ يطّلع عليها من مستشاريه، وأن يكفّ عن النظر إلى الشعوب كقبائل صغيرة، مضطهدة، معدّة للقتل كما حصل مع الهنود الحمر.

وقد وضع الرئيس حافظ الأسد النقاط على الحروف تماماً حين قال: “لتعلم أميركا أنها لن تقدر على ترويضنا، وكلّ حوار لن يكون على حساب موقفنا”. كما وضع النقاط على الحروف بقوله: “لتكون أمتنا قوية يجب أن تكون سورية قوية”.
في ختام هذه القراءة لنا كلمة بسيطة ومقتضبة: لا شكّ أن كل قراءة تشكل اختياراً شخصياً في التركيز على نقاط ومحاور دون غيرها، وكلّ قارئ يرى جوانب في النص أكثر أهمية وراهنية من سواها، لكن ذلك سيأتي في معظم الأحيان على حساب النصّ وربما سيتم تجاوز نقاط كان من الواجب أن تأخذ حقها في الطرح والمناقشة والتحليل، وهو ما يعني أّ عرضنا هذا لن يطابق النص بأكمله، بل هو مقاربتنا الخاصة له، وحبذا إن استطعتم قراءة الكتاب بأنفسكم فهو جدير بذلك حقاً.
والحقيقة أننا بعد الانتهاء من قراءته، ومن استعراضنا لأحداث الثمانينيات وما جرى قبلها وبعدها، بما في ذلك ما يجري من حرب كونية مركّبة واسعة (عسكرية، إرهابية، تدميرية، تفتيتية، اقتصادية، إعلامية، سياسية، الخ) ضد سورية وطناً وتاريخاً وحضارةً ووجوداً وهوية وشعباً من عام 2011 إلى اليوم.. لمعت في خاطري مقولة القائد الخالد المؤسس حافظ الأسد، تلك المقولة القوية والدقيقة والمعبّرة عن طبيعة المنطقة ووجودها الحضاري الاستراتيجي المستهدف في كلّ الأزمنة والمراحل؛ ولمعرفته العميقة الشاملة لشراسة الأعداء واستمرارية مؤامراتهم وتكالبهم على نهب ثرواتها وتفكيك مجتمعاتها وتدمير قدراتها – وهو القارئ النهم للتاريخ والحاضر والعارف الاستراتيجي الكبير بحجم القوى الدولية وتناحراتها واصطفافاتها وأهدافها القريبة والبعيدة – فقد وصف ذلك كله بعبارة جامعة مانعة قاطعة، جاءت في الصميم وفي أعماق الأعماق باختزاليتها المؤثرة وعظمة رؤيتها، حيث يجزم فيها: “إنّ الصراع مستمرّ”.. نقطة على السطر.

آخر الأخبار
سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية مؤشر الدولار يتذبذب.. وأسعار الذهب تحلق فوق المليون ليرة الكويت: سوريا تشهد تطورات إيجابية.. و"التعاون الخليجي" إلى جانبها مع انتصار سوريا معاني الجلاء تتجد الإمارات تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد زيارة الشرع لأبو ظبي الاحتلال يواصل مجازره في غزة.. ويصعد عدوانه على الضفة مصر والكويت تدينان الاعتداءات الإسرائيلية وتؤكدان أهمية الحفاظ على وحدة سوريا بعد أنباء عن تقليص القوات الأميركية في سوريا..البنتاغون ينفي إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023