الإبداع روح الخلود ..

الثورة اون لاين – هنادة الحصري:

عندما شد جلجامش – بطل ملحمة وادي الرافدين التي تحمل اسمه – الرحال إلى حيث يسكن – أوتورنبشم – الوحيد من بني البشر الذي كتب له الخلود ، كان هذا البطل الذي روعه وهد أوصاله موت صديقه “انكيدو” يحاول أن يتغلب على الموت الذي يطوي كل كائن حي ، و كان بذلك يتصرف مثله مثل أي إنسان أدرك بأن الموت محتم على بني البشر و لذلك فهو يسعى للتشبث بالبقاء .

و كان هذا البطل بالتعاون مع صديقه انكيدو ” قد قتل ثور السماء و تغلب على خمبابا شيطان غابة الأرز . كان جلجامش راعي تلك البلاد و لكنه كان يضطهد أهلها و هو قوي و جميل و حكيم ، لم يكن يترك عذراء لحبيبها، و لا ابنة أي مقاتل و لا خطيبة البطل ، عندما يصل جلجامش إلى مكان “أوتونبشتم” تغلق صاحبة الحانة ” سيدوري ” الباب في وجهه و لكن بعد إلحاح تفتح الباب و تسأله عن مراده و عندما يبوح لها بالسر تقول له .

( إلى أين تسعى يا جلجامش إن الحياة التي تبغي لن تجد إذ لما خلقت الاّلهة البشر قدرت الموت على البشرية

و استأثرت هي بالحياة

أما أنت يا جلجامش فاجعل بطنك مملوءا و كن فرحا مبتهجا ليل نهار .

و أقم الأفراح في كل يوم من أيامك و ارقص و العب ليل نهار و اجعل ثيابك نظيفة زاهية و اغسل رأسك و استحم في الماء و دلل الطفل الذي يمسك بيدك و أفرح الزوجة التي بين أحضانك و هذا هو نصيب البشر .. )

بيد أن جلجامش يفلح بالوصول إلى ” أوتونبشيم ” الذي يوافق في النهاية على اطلاع جلجامش على سر الخلود و هو نبتة من الشوكيات في قاع البحر حيث يفلح جلجامش في الحصول عليها و لكن يحصل التغيير الجذري في شخصية جلجامش الذي يدرك الاّن ، و بعد رجوعه يائسا من مغامرته هذه في سبيل الحصول على سر الخلود ، أن الفناء لامناص منه و عليه فقد أخذ يعلي الأسوار و يقيم العمران و يرسي النظام و القانون بدلا من الظلم و البطش .

مما تقدم نلاحظ أنه أمام حتمية الفناء التي كتبت على بني البشر ليسلك الناس ، أحد طريقين إما أن يسلك المرء سبيل اللذة و المحسوسات المادية في هذه الحياة كما جاء على لسان ، ” سيدوري ” صاحبة الحانة . أو أنه يتقبل قانون الحياة و يذعن لما ليس منه بد ، فيضبط النفس و يقوم بتلك الأعمال التي تخلده بعد حياته كما فعل جلجامش بطل الرواية في نهاية المطاف .

إن نظرة متفحصة لما يجري في عالمنا اليوم تبين لنا بأن هذه المسألة الكبرى التي شغلت عقل الإنسان منذ أقدم العهود مازالت هي نفسها التي تشغل بال الإنسان المعاصر ، بيد أن الفرق الشاسع يكمن في المواقف المتخذة حيال هذا الأمر . فعالمنا اليوم اختار – و للأسف – المسلك الأول و هو التنعّم باللذات ، و لو على حساب الاّخرين ، فكثيرون هم الذين يريدون أن يأخذوا من الحياة كل شيء ، قبل الموت ، و كثيرون هم الذين يتسابقون و بشكل محموم على اقتناص الغنائم دون وازع أو رادع و كثيرون هم من يأخذون بأقوال ” سيدوري ” صاحبة الحانة .. ان هذه النظرة إلى الحياة هي مكمن الشر ، و مصدر الماّسي و المعاناة في عالمنا هذا، عالمنا الذي أصبح غابة تتحكم بها القوى و يفرض فيها قانون شريعة الغاب .

كم هي كثيرة المعاناة ” المصائب ” التي حلت بالقارة الإفريقية نتيجة جشع الغرب الذي يريد أن يأخذ كل شيء و لا يعطي أي شيء ، و كم هي كثيرة الماّسي التي خلفها الإنكليز وراءهم في جنوب أفريقية و شبه القارة الهندية . و لا ننسى عندما شن الإنكليز حربا على الصين 1856 سميت بحرب الأفيون ، حيث أجبروا الصينيين على تعاطي الأفيون لملء جيوبهم بالأموال .. أمثلة و شواهد نجدها في كل مكان تحكي بصوت عال عن الظلم و القهر الذي مارسه من يريدون أن يغنموا من الدنيا كل شيء ..!!

كم هي في المقابل ، الشواهد على جلائل الأعمال التي قام بها العرب عندما كانوا سادة الدنيا ، فهذه هي العلوم الحديثة مدينة و بشكل كبير لما قدمه العرب يوم كانت أوروبا تغط في غياهب عصور الظلام ، و هذه الاّداب و الأخلاق العربية مثبتة في بطون الكتب التي علمت العالم كيف يهتم بالخالدات من الأعمال .

إن المبدأ البراغماتي ، الذي يشكل المحرك الأساسي لسلوك البشر ، سواء على المستوى الفردي ، أم على مستوى الدول ، لهو الشر بعينه ، فمبدأ ” الغاية تبرر الوسيلة ” الذي وضعه مكيافيلي يعني الظلم و القهر و ينأى بالإنسان عن إنسانيته و يحول العالم ، إلى غابة من الوحوش الكاسرة فأي حضارة هذه ! و أي تقدم هذا الذي يكرس مبدأ القوة ..؟!

لقد أدرك أصحاب الحضارة العريقة . كما نجد في ملحمة جلجامش ، أنه على الإنسان أن يقبل على الحياة و يستغلها للخير إلى أقصى حدود الاستغلال و الإتيان بالأعمال التي تخلد الفرد ، و لسان حالهم يقول ” و الذكر للإنسان عمر ثان ” .

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة