” الأرض تضيق بما رحبت.. “

 

في القرن الماضي كانوا يتسابقون في ارتفاع البنيان حتى ناطحوا السحاب، ومازالوا يزيدون في الارتفاع نحو ما هو أعلى فأعلى، لكنهم في القرن الحالي يتجاوزون السحاب هؤلاء البشر الذين اخترقوا أجواز الفضاء صعوداً نحو كواكب أخرى يرصدونها من الأرض، ويطمحون طامعين فيما قد يجدونه عليها.. بل إنهم أصبحوا يخططون إلى إنشاء مساكن فضائية تكون مأوى لمن يتطلع إلى سياحة من نوع مختلف، بينما أقمارهم الصناعية تجوب السماوات راصدة، ومستكشفة، ومخلفة نفاياتها وراءها في الوقت نفسه لتصبح هناك شركات تهتم بتنظيف الفضاء من تلك المخلفات وقد ازدحم بها.

كان السباق فيما مضى في التطور التقني الذي يرتفع بالبشر إلى السماء، لكن السباق الآن أصبح بين مِنْ يحلمون بتلك الرحلات السياحية الفضائية، والتي باتت متاحة لمن يملك روح المغامرة، ويمتلك فائضاً من المال ينفق منه الملايين مقابل دقائق معدودة يطلُّ خلالها على الأرض من بعيد، وخارج غلافها الذي يحتضنها.. لاشك أن مثل هذه الرحلات هي من الأحلام، أو كأنها ضرب من الأوهام الذي لا يجرؤ المرء أن يشطح به خياله نحوه.. إلا أنني تجرأتُ، وأطلقت خيالي منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، ونسجت روايتي (إجازة في المريخ)، وكانت من الخيال العلمي آنذاك عندما أقمت مستعمرة على سطح المريخ قد تماثلها أخرى فوق كوكب آخر، لكن هذا الأمر الآن أصبح واقعاً قريباً قابلاً لأن يتحقق في أي وقت مادام التقدم العلمي، ومثله علوم الفضاء في سباق مع الزمن ليقطعا أشواطاً بعيدة في تطورهما المتسارع، بينما حلم الإنسان الأول في الطيران مازال يرف بأجنحته في أروقة مخابر البحث، والتجارب الفائقة التي تأتي بالأحداث المثيرة.

وها هي أول رحلة سياحية إلى الفضاء قد انطلقت منذ وقت قريب، لتدور مركبتها حول الأرض في رحلة أشبه ما تكون بالخيال إلى سماء النجوم، وعلى متنها أناس من نجوم المال الذين يتطلعون للمغامرة، والاكتشاف، وليسوا من رواد الفضاء الذين خبروا مهمتهم التي هي مهنتهم، ليسجل التاريخ سابقة من هذا النوع تفتح الباب واسعاً لما سيأتي بعدها من رحلات سياحية مميزة هي للتنزه، أو لقضاء الإجازات تكون أسطورية، وملهمة، وفي متناول اليد، تتجاوز أقطار الأرض لتفلت من مدار جاذبيتها.. فهل ضاقت بنا الأرض بما رحبت حتى ما عادت تثير الاهتمام لمزيد من اكتشافها، ومازال فيها من الأسرار، والأخبار ما لم يصل إليها أحد بعد؟.. أم أن طموح الإنسان أصبح لا يقف عند حدود له؟ أم أنه هدر لثرواتٍ تُعدُّ بملايين الملايين تقودها روح المغامرة، ويوجهها حب الاستكشاف، بينما تغرق الأرض بهمومها، وبمشاكلها البيئية المتفاقمة، وقد أمرضتها فما عادت قادرة على المزيد منها؟.

إلا أن هذه الرحلات التي يتوقع لها أن تنتعش خلال الأعوام القليلة القادمة، وهي بالطبع للأثرياء فقط من الحالمين، لا يكفي أنها ستبذر الحسرات في نفوس مِنْ لا يملكون المال، وبالمقابل لا يملكون الحلم، بل إنها في المقام الأول ستكون سبباً لمزيد من المشكلات البيئية، والأزمات بسبب التلوث الذي سينتج عنها، وكأن مغادرة الأرض إلى كواكب أخرى له ثمن باهظ سيُدفع لا بالنقود فقط بل بمزيدٍ من استهلاك بيئة أمنا الأرض، وإفساد مناخها بمزيد من انبعاثات غاز الكربون التي تتسبب بها الدول الصناعية الكبرى، بينما تحديات الفقر، والجوع تتربص بملايين البشر، وهي تتعاظم يوماً إثر يوم، نتيجة لتغيرات المناخ وتقلص الرقعة الزراعية لصالح التصحرـ أو انجرافات التربة بسبب الفيضانات.

وها هي الرؤوس ترتفع بأنظارها نحو السماء بينما الأرض التي تسجل درجات حرارة قياسية متزايدة الحدة تستغيث لإنقاذها، وتصرخ بأعلى صوتها لخفض الانبعاثات الحرارية التي يتسبب بها الإنسان.. وسماء أخرى من الوعود والأحلام يعيش تحتها أثرياء العالم وهم يتطلعون إلى النجوم، ولا تصل إلى أسماعهم صرخات الاستغاثة هذه، ولا صرخات من يعانون من البشر.. فهل يكفي أن نصل إلى النجوم بينما أرضنا تهتز تحت الأقدام غضباً، وألماً؟.

(إضاءات) – لينـــــــــا كيــــــــــــلاني ـ

آخر الأخبار
"مياه دمشق وريفها" تقرع جرس الإنذار وترفع حالة الطوارئ "طرطوس" 20 بالمئة إسطوانات الغاز التالفة "نيويورك تايمز" ترجح أن يكون "وقود صاروخي" سبب الانفجار في ميناء إيراني تطوير خدمات بلديات قرى بانياس وصافيتا "صحة درعا".. أكثر من 293 ألف خدمة خلال الربع الأول هل تُواجه إيران مصير أوكرانيا؟ نمذجة معلومات البناء(BIM) في عمليات إعادة إعمار سوريا "رؤية حوران 2040".. حوار الواقع والرؤية والتحديات مصادرة أسلحة في الصنمين مخبز بلدة السهوة.. أعطاله متكررة والخبز السياحي يرهق الأهالي عودة الحركة السياحية إلى بصرى الشام خبير اقتصادي لـ"الثورة": "الذهنية العائلية" و"عدم التكافؤ" تواجه الشركات المساهمة اشتباكات حدودية وتهديدات متبادلة بين الهند وباكستان الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد ... "الصحة العالمية" تدعم القطاع الصحي في طرطوس طرطوس.. نشاط فني توعوي لمركز الميناء الصحي  صناعتنا المهاجرة خسارة كبيرة.. هل تعود الأدمغة والخبرات؟ ترجيحات بزيادة الإمدادات.. وأسعار النفط العالمية تتجه لتسجيل خسارة تركيا: الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك مع سوريا