في اعتراف يكاد يكون أقبح من ذنب تم ارتكابه، اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخطأ التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا مُقراً بأن هذا التدخل لم يأخذ بالحسبان والاعتبار رأي الشعب الليبي..!
يذكرنا ماكرون باعترافه هذا والذي جاء بعد “خراب مالطا” كما يقال، باعترافات المسؤولين الأميركيين بأخطائهم الفادحة بعد تقاعدهم أو مغادرتهم مناصبهم، كاعتراف كولن باول بفبركة التهم الكاذبة للعراق بشأن أسلحة الدمار الشامل تمهيداً لغزوه واحتلاله وتدميره، واعتراف هيلاري كلينتون بمسؤولية بلادها عن ظهور تنظيم داعش، واعتراف جيمس جيفري بأن هدف القوات الأميركية من البقاء في سورية منع الجيش السوري من تحرير واستعادة أراضيه المحتلة، حيث لم تغير هذه الاعترافات قيد أنملة في السياسة الأميركية، فمازالت واشنطن تفبرك الاتهامات للدول المناوئة لسياساتها وتواصل دعم التنظيمات الإرهابية لخدمة أجنداتها العدوانية وأطماعها الاستعمارية، وما يقال عن واشنطن ومسؤوليها ينطبق على باريس، إذ لم نلمس أي تغيير في السياسة الفرنسية تجاه منطقتنا بالرغم من الأخطاء الكارثية المرتكبة، ومن ضمنها التدخل العسكري في ليبيا، ودعم الإرهاب في سورية، والمشاركة بحصار وخنق الشعب السوري اقتصادياً.
من المهم التذكير بأن فرنسا كانت سبّاقة على الأميركيين بارتكاب الأخطاء ضد منطقتنا بدءاً بغزواتها وحروبها الصليبية الدموية، مروراً بحملة نابليون الفاشلة على كلّ من مصر وسورية، وصولاً إلى احتلالها لكلّ من سورية ولبنان في أوائل القرن الماضي، حيث خلّف ما يسمى الانتداب الفرنسي سيئ الذكر آثاراً وتداعيات سلبية لا تزال ماثلة حتى اليوم، ورغم ذلك لم تخرج السياسة الفرنسية من عباءة الأطماع المستمرة ضد منطقتنا طيلة القرن الماضي، بحيث تعود كلّما سنحت لها فرصة تحت ذرائع وحجج جديدة.
فرنسا ذات الماضي الاستعماري البغيض عادة ما تتذرع دائماً بحقوق الإنسان والحريات وحقوق الشعوب لتبرير تدخلاتها السياسية والعسكرية، وهي اليوم تواصل ممارسة هذا النهج الاستعماري في سورية، وبالأمس تدخل ماكرون بالشأن الجزائري وأساء للشعب الجزائري، دون أن يقيم وزناً لاستقلال وسيادة الجزائر، ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي سيغنمه الليبيون جراء هذا الاعتراف الماكروني المتأخر بتدمير وتخريب بلادهم من قبل فرنسا، فهل تتعهد الأخيرة بإعمار ليبيا وإعادة الاستقرار والأمان لشعبها أم تكفيراً لهذا الذنب، أم “تعود حليمة إلى عادتها القديمة”؟!.
البقعة الساخنة- عبد الحليم سعود