الثورة- لميس عودة:
إشعال البحر الأسود بنار الاستفزازات والتحشيد والتحركات العسكرية من اميركا والناتو,هو ما نزع صواعق التهدئة الدبلوماسية وزاد في توتير الأجواء بين روسيا والغرب, فالغمز من قناة دعم كييف واستخدامها حطباً لطبخة توسع الناتو شرقاً وتهديد الأمن الاستراتيجي الروسي هو الغاية التي تعي موسكو مراميها وأبعادها لذلك كانت حازمة في إيصال رسائلها الحاسمة على الخطوات الاستفزازية من قبل حلف الناتو , مشددة على أن مساعي تطويقها وزعزعة أمنها خطوط حمراء جلية، وعلى كل من يراهن على تجاوزها أن يعيد حساباته الخاطئة، فحماية الأمن القومي الروسي ورفض استخدام الأراضي الأوكرانية لتهديد حدود روسيا الجنوبية حق قانوني لا تلغيه ادعاءات باطلة ولا ذرائع كاذبة من قبل واشنطن والدول الغربية التي تسير في ركب البلطجة الأميركية.
فالبحر الأسود يشكل أهمية جيو استراتيجية كبيرة لروسيا بموقعه على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ما يجعله نقطة تلاقي عدد من الممرات الاقتصادية والعسكرية، حيث يتصل بالمحيط الأطلنطي من خلال البحر الأبيض المتوسط، وببحر آزوف من خلال مضيق كيرتش، إضافة إلى أنه أحد أهم ممرات السفن الروسية إلى المياه الدافئة ومخرجها الوحيد إلى البحر المتوسط، ونقل تجارتها إلى أوروبا، خصوصاً فيما يتعلق بإمدادات النفط والغاز الطبيعي التي يزداد اعتماد دول أوروبا الغربية عليها, لذلك كان التصويب على إشعاله بزيت التعديات حاضرا في جميع أجندات الغرب التصعيدية الأخيرة.
ففي تموز قام الناتو بمناورات بحرية شاركت فيها أمريكا وبريطانيا وعدد من الدول الأخرى، ما دفع موسكو إلى إجراء مناورات لتأكيد وجودها العسكري في المنطقة، وعلَّق نائب وزير الخارجية الروسي حينها بأن بلاده لن تتردد في الدفاع عن حقوقها الإقليمية بكل الوسائل، بما في ذلك القوة العسكرية، وحذَّر واشنطن ولندن من الانخراط في مغامرات عبثية.
تكرر هذا الموقف أكثر من مرة في الشهر الفائت، عندما أجرى الناتو تدريبات بحرية عسكرية في البحر الأسود، وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “استفزاز وتحد خطير”.
وطالما أن القوى الغربية لديها رغبة محمومة للتوسع في محيط روسيا الاستراتيجي فإن الأجواء المشحونة ستبقى تخيم على المشهد, فلروسيا الحق المشروع في حماية أمنها الاستراتيجي وعدم السماح بتهديد مصالحها وتلغيم حدودها بمفخخات العربدة من الناتو.
ويؤكد ذلك تصريحات استفزازية سابقة للأمين العام لحلف شمال الاطلسي يانس ستولتنبرغ التي حملت في مضامينها الاصطياد الانتهازي في عكر الأوضاع المتوترة والدفع بها إلى حافة الانفجار.
وفي هذا السياق فقد اعتبر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تصريحات ستولتنبرغ “غير مسؤولة، وتمثل تحدياً صارخاً لروسيا في وقت تدق فيه طبول الحرب بالفعل، وتساءل المقال: “ماذا يتوقع ستولتنبرغ أن يكون رد فعل موسكو عندما يوجّه لها هذا التحدي العلني؟ هل هي دعوة للحرب؟”.
موسكو تدرك أن واشنطن تقف وراء الاضطرابات المفتعلة الأخيرة في البحر الأسود كونها تتزعم حلف شمال الاطلسي وتدير دفة استفزازاته وأنها صاحبة اليد الطولى في الأحداث المشتعلة في شرق أوكرانيا وأخذها مسار التصعيد, لذلك جاءت القمة الروسية الأميركية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن لإيصال الرسائل إلى مسامع الإدارة الأميركية مباشرة التي فند من خلاها الرئيس بوتين المزاعم الأوكرانية منوها بتنصل كييف من تعهداتها والتزاماته في تنفيذ اتفاقات مينسك لعام 2015.
وقال بيان للكرملين عقب القمة بأن “الرئيس الروسي قدم أدلة دامغة على النهج الهدام الذي تتبعه كييف ويهدف للنسف الكامل لاتفاقات مينسك والتوافقات التي تم التوصل إليها في إطار رباعية نورما ندي وأعرب عن قلقه البالغ إزاء استفزازات كييف ضد دونباس”.
وفيما يتعلق بتأزم الأوضاع أكد الرئيس بوتين أنه “لا ينبغي تحميل روسيا المسؤولية، لأن الناتو هو الذي يتخذ خطوات خطيرة ويحاول الانتشار على الأراضي الأوكرانية ويعزز حشوده على تخوم روسيا”.
وتابع “لذا فإن موسكو ترنو للحصول على ضمانات خطية بعدم توسع الناتو شرقا ونشر أسلحة ضاربة في الدول المتاخمة لروسيا”.
إذاً، موافقة واشنطن وحلفائها الغربيين على تقديم الضمانات التي تريدها موسكو ليست أمراً صعباً ولا حتى غير منطقي، حيث سبق وأن قدمها الغرب لروسيا بالفعل قبل 30 عاماً بصورة شفوية ولم يلتزم به، لذلك من الطبيعي أن تطالب به موسكو بصيغة مكتوبة في صورة اتفاق قانوني.