بعد أن دخلنا إلى الألفية الثالثة ونحن نقترب من بلوغ الربع الأول منها نقف على أعتاب قرن مختلف بمعطياته العلمية، وكل ما عدا الدول المتقدمة هو مستهلك للحضارة لا منتج لها، وهذا يدفعنا بدوره للتفكير في نشر الثقافة العلمية بغية دخول مجتمع المعرفة.
ربما كرّس بعضنا من الأدباء لهذا المفهوم في مؤلفاتهم وذلك بغية الاندماج بمعطيات العصر، والتفاعل معها، وتجاوزِها عند أجيال المستقبل للمشاركة في صياغة الحضارة، خاصة وأننا ننطلق من إرث حضاري غني مكتمل العناصر.
ولو سألني أحدهم كيف يمكن أن يتم إعداد استراتيجية عربية لنشر الثقافة العلمية والتقانية في الوطن العربي فإنني ومن خلال توجهي الأدبي أقف عند نقطة محددة وهي نشر الثقافة العلمية عن طريق الأدب، والصحافة، وأدب الخيال العلمي، وأرى أن جدية المشروع تتطلب سبراً حقيقياً لهؤلاء الذين يقدمون حالياً ثقافة علمية دقيقة، وصحيحة، ذلك لأن مفهوم الثقافة العلمية، وأدب الخيال العلمي مازال غامضاً إلى حد ما على الساحة العربية من حيث توخي دقة المعلومات، أو إنتاج أدب خيال علمي صحيح بمفهومه الأدبي والعلمي بأن معاً.
وانطلاقاً من هذا فالدخول الفعلي إلى مجتمع المعرفة وبشكلٍ منتجٍ، لابد له من التأسيس، وهذا لا يكون إلا من خلال الطفولة تدرجاً مع مراحل تطورها ووصولاً إلى مرحلة النضج، والاكتمال العقلي، وأدب الاطفال هو واحد من عناصر هذا التأسيس، وهو يوصل إلى المعلومات التي نهدف إلى استخلاصها بغية نشر الثقافة العلمية، والتقنية.. وذلك لا يقتصر ضمن أدب الأطفال على جنس أدبي واحد أي القصة فقط بل إنه يمكن أن يكون في الشعر، والمسرح، والرواية، والدراما، والقصة المصورة، الخ…
والتحديات في مواجهة ما أصبح يُعرف باقتصاد المعرفة ليست في موضع النقاش، ولم تعد المعرفة العلمية إضافة، بل أصبحت ضرورة مع دخول عصر جديد تحكمه التقنيات الحديثة، ويقوده العلم في كل مناحي الحياة.
ها هو الإعلام العلمي ببرامجة أصبح واحداً من منظومة متكاملة لنشر الثقافة العلمية التي لا تقتصر على الأدب وحده، بل إنها تنطلق من المناهج الدراسية في الجامعات، والمعاهد، والمدارس، ومن دعم مؤسسات البحث العلمي، وتعاون وثيق بين وزارات الثقافة، والتربية، والتعليم العالي، والتخطيط، والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية والعمل، وغيرها.. كما إنه في خلق مناخ اجتماعي عام على قدر من المسؤولية بحيث يعي جيداً أهمية التفكير العلمي كمدخل صحيح للتطور، ومواكبة العصر بعيداً عن التأثيرات السلبية للثقافات الأخرى التي تنشر قيم مجتمعات غريبة عنا فتغيبنا في عملية إلهاء لا طائل منها.
لاشك أن مثل هذه الخطوات التي لها أثرها التراكمي خلال امتداد زمني ليست بالأمر السهل، وإن كانت نظرياً تبدو صحيحة إلا أن التطبيق العملي يستدعي جهوداً جبارة، واقتصاداً متيناً ينهض بها، وتهيئة للكوادر البشرية ذات الكفاءة التي ستقوم بالمهمة، لكنها باتت ضرورة حياتية، وشرطاً من شروط تقدم الأمم والشعوب مادام العلم بتفوقه والعتبات العالية التي بلغها أصبح لغة التفاهم بين الدول.
وإذ أعود إلى الأدب، والإعلام ودورهما في توعية المجتمعات، وفي تربية النشئ فهما القطرة التي ستملأ الكأس، ومن دونهما سيظل ناقصاً.. ومسؤولية بث روح الثقافة العلمية تقع على عاتق من يتصدى لهذه المهمة لكي يرتقي بالمتلقي إلى مرحلة متقدمة من الوعي، والاستيعاب لهذه الثقافة ينتقل بعدها إلى الممارسة العملية الحياتية.
إن اكتساب المعرفة يفتح باباً للتنمية، والنهوض بالمجتمع، والنظرة الطموحة تجعل من بوارق الأمل تلوح في الآفاق، لاسيما وأن مجتمعاتنا العربية تذخر بالقوى البشرية الفتية التي يمكن الاستفادة منها بدرجة عالية إذا ما تحققت سياسات التثقيف العلمي، خاصة وأنها تتفاعل مع التقنيات الحديثة، وتقبل عليها بحماسة، وإصرار.
وسواء أكانت الثقافة بهدف المعرفة العلمية، والتطور الفكري، وسبيلاً للتغيير، أم كان العلم طريقاً للصعود، والنماء الاقتصادي يبقى الأمر مرهوناً بنظرة جادة إلى المستقبل البعيد قبل القريب.
* * *
(إضاءات)ـ لينـــــا كيـــــــلاني ـ