الثورة – هفاف ميهوب:
لا تصمتْ.. فالصمتُ إن لم يكن حكمة في مواجهة النفاق، فهو خيانة ولاسيما إن كان الوطن يتألم، وكلّ ما فيه وحوله، يشي بالويل والهلاك.. يتناوبُ على طعنه الحاقد والغدّار، ووحده الشرف من يبلسمه، خشية أن تتوجّع ولو بقعة منه.. ما أبشع أن تكون ابنه العاق وسلاحكَ الباطل، تتحدّى الحقّ ولا تدري، بأن من يرفعه ضميرٌ لا يُجرُّ لطالما، يُبنى بوعيٍ أكثر من عاقل.
لا تضمر الشرّ أو المكر لتجعل لشخصيّتك مكانة، وإن فعلتَ فلابدّ ستكون مكانتك مَهَانة، لكَ ولكلّ من يتهافت على تتبّع هفواتك، ليدسّ لك السموم ذاتها التي تدسّها سراً، لمن لا يتوافق مع رداءة أناكَ وتطلعاتك..
لا.. لن تغيّر الرياح اتّجاهها، وإن أطاحت بمن تصادفه، إلا أنها قد تلتفّ لتعصف بكلّ من يستهين بقوة إعصارها.. لن يصير غبارها نسيماً، وقد يعميكَ فيرديكً فاستقم خُلقاً لا تيهاً…
الأمكنة لا ترتدي الأقنعة، ومن يسعى لإلباسها المهترئ من أخلاقه، لا بدّ أن تخلعه، دون أن تترك أثراً يلوّث روحها.
الأمكنة وفيّة لأصحابها، لا تثقُ بمن يرتادها خائناً، ولا تهبه ذكرياتها أو حتى أسرار فوحها..
هي دروسٌ تعلمّناها مُذ تهجّأنا الحياة، وشكّلنا معانيها بالمحبة والتآخي والإنسانيّة، وكانت مدرستنا أمومةٌ أطلقتنا، من رحمِ الكرامة السورية.. سطعت شمسها فينا، فأشرقنا وما توارينا.. أضاءت الكون فتنكّر، لأفضالها الناكرُ المُنكر… طعنها غدراً في أعماق قلبها، وتآمر الجبان معه سعياً لانتزاعِ نور عيونها.. لم تمت ولن، تدلهمً صباحاتها أبداً، ستبقى الحياة ورمزها، نبض الأرض، بل خيط الدمّ المنبثق منها عبرة تروي أسرارها…
نعم، هذا البلد لن يموت لأن الحياة تحيا فيه، ومن يسعى لتشويه صورته سيتقزّم فكراً ووجوداً فيصير عالة عليه. لن يموت ولن يتمكّن أيّ معتوه من خرابه، أو حتى النيل من محبّيه وأحبابه.. هو وطن النورِ وطلّته، كرامة ساطعة تجرجر كلّ من اسودّ ضميره، بعيداً عن النور الذي يصحو ليرتّل قدسيّته..