الغرب وتناقض الخطاب

ابتداء أعني بالغرب الغرب الثقافي لا الجغرافي حتى لا تخرج المسألة عن هدفها وسياقها المعرفي والحقيقة أن أغلب علماء الاجتماع في أوروبا يرون ويعرفون الديمقراطية على أنها تتأسس على حرية التنوع وقبول الآخر المختلف وحق التعبير وغيرها من روزنامة معروفة للجميع، ويرى الفرنسي آملان تورين أن المقصود بالآخر هنا هو المختلف بالدين والثقافة والعرق واللون السياسي وغيرها من عناصر تميز الأفراد والجماعات بعضها عن بعض، هذا التعريف الثقافي المشار إليه تحول منذ فترة ليست بالقصيرة إلى خطاب سياسي يجري على ألسنة وأقلام العديد من المثقفين والمفكرين إلى درجة أن كاد يصبح خطاباً شعبياً إن لم نقل ثقافة شعبية، ولكن ومع الأسف ومن خلال نظرة للواقع والسلوك السياسي تجاه الآخر وأعني هنا العرب والمسلمين نجد الأمر مختلفاً فالملاحظ أن المصالح الاقتصادية والسياسية والنظرة الأيديولوجية التقليدية المتمركزة حول الذات الأوروبية والأقنومية الثنائية – شرق غرب – هي التي تحكم هذه العلاقة ما تجعل من أهم سماتها التناقض والعدائية لا الاعتراف القائم على التفاعل المزعوم انسجاماً مع التعريف المشار اليه والدليل على النتيجة تلك هي بالإضاءة التاريخية على طبيعة تلك العلاقة بين الغرب والشرق ببعديه العربي والإسلامي التي تدل بشكل واضح على أنها لا تخرج إلا في حدود ضيقة عن حالة تحكمها بل وتتحكم بها نظرة دونية وسلبية وفوقية يسودها عراك فكري ثقافي بين طرفي المعادلة تمتد وتستطيل جذورها لمئات السنين لم يتمكن الغرب إن لم نقل طرفي المعادلة من الخروج النهائي منها أو إيجاد قطيعة معرفية بين صورتين متناقضتين لدرجة أن المحلل لها والباحث والمفتش عن أسبابها ونقطة التشكل الأساسي فيها يقع أمام استنتاجات صعبة المؤكد فيها أنها محكومة بحالة من عدم الثقة والتوجس تتجذر في وعيين مختلفين تتحكم بهما تاريخياً صورة فيها من المواجهة والصراع أكثر ما فيها من التعاون القائم على احترام مصالح وخصوصيات طرفا المعادلة وفق التكوين الثقافي والاجتماعي والروحي ومشروعية طموحاتهما للوصول إلى مستقبل أفضل.

إن النظر إلى واقع الحال والتفحص التاريخي لمسار طويل نكتشف أن الغرب كان وما زال مسكوناً بعقدة ونظرة الماضي التي تتسم بالسلبية والتشكيكية والظنية المرتابة تجاه العالمين العربي والإسلامي الذي يستحضر في ذاكرته الجمعية ولا وعيه السياسي انه كان متفوقاً عليه في القرون الوسطى تقانياً ومعرفياً لذا يرى فيه العدو الدائم والمستقبلي إن قيض أو أتيح له امتلاك ناصية العلم والمعرفة والتقانة الحديثة ومساواته في مضمار التنافس الحضاري القائم في العالم وهنا ولكي يبقى الحال على ما هو عليه من فجوة حضارية لابد من الإمعان في تمزيقه وتشظيته ونهب ثرواته والتضييق عليه ومحاصرته لجهة منعه من التقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح كي لا يدخل في نادي الأقوياء ويحتل ما يستحقه من مكانة في المشهد الدولي الحضاري الفاعل.

وعلى الضفة الأخرى وكردة فعل على تلك النظرة السلبية نجد أن المجمل الكلي العربي والإسلامي ونواته وعي عميق يعتقد ويرى أن الغرب ما هو إلا مستعمر تحكمه نظرة استشرافية سلبية وانه زرع الكيان الصهيوني واستعمر البلدان العربية وقسمها وتآمر على المشروع القومي النهضوي العربي وشن الحروب على العرب والمسلمين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية ومكّن المستبدين وحماهم وساهم في إسقاط وإجهاض توق شعوب المنطقة إلى الحرية والكرامة في رحلة بحثها عن الحرية والخلاص من الدكتاتوريات وأنظمة الاستبداد والفساد والإفساد ما زاد الثورة النمطية السلبية رسوخاً ومتانة وتجذراً ناهيك عن أن السعي والدعوة إلى حوار سمي حوار الحضارات وتناغمها وتفاعلها وجدوا أن ما يطرحونه من أفكار وخريطة طريق للخروج من هذه (الورطة التاريخية )وفك العراك التاريخي القائم حقيقة ما يجري.

والحال: وأمام هذه الإشكالية التاريخية المعقدة والمركبة يمكننا طرح سؤال: ترى هل من خريطة طريق للخروج من هذا النفق المظلم والمكلف؟ والجواب على ذلك هو نعم ونقطة البداية في سياق حل ممتد تتمثل في القناعة بأن الاستمرار في علاقة كهذه سيزيد الأمور تعقيدا أو ربما الى مزيد من الصدام وهذا ما هو حاصل راهناً وانطلاقا من تشكل هكذا قناعة لابد من تخلي طرفي العلاقة عن الفرضية القائلة إن صورة الماضي الصراعي ستكون هي أنها صورة المستقبل إن امتلك الطرف الأضعف عناصر القوة وهنا تبدو الحاجة لتفكيك صورتين نمطيتين متشكلتين في الوعي الجمعي لطرفي المعادلة وهي بلا شك مهمة صعبة ومعقدة تشكل تحدياً تاريخيا لأصحاب الفكر والساسة القائلين والداعين لحوار الحضارات وعالم آمن خال من الحروب والصراعات عالم أكثر أمنا وتعاونا وسلما أشعره فيروس كورونا أنه قابل للاختراق لا تحول دون ذلك كل الحدود والمسافات والفوارق الحضارية.

إن ادراك موجبات ومستلزمات العلاقة بين غرب حضاري وتقاني نحتاجه وسياسة غريبة لا تناسبنا أمر غاية في الأهمية ويشكل مدخلا أوليا صحيحا يمكن البناء عليه ويقابله تخلي الغرب عن نظرة الهيمنة والإقرار بتوازن المصالح وتوازن الحاجات واحترام الاختلاف ترتكز للتعريف الذي قدمه آملان تورين للديمقراطية وأشرنا اليه في مقدمة المقال ربما شكل ذلك خريطة طريق لعلاقة سليمة ومستدامة بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي لا يقطف ثمارها طرفاها فقط وإنما شعوب العالم كافة.

اضاءات- د . خلف المفتاح

 

 

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار