لعلها من الأمور والمواقف المضحكة جداً أن تطالب الولايات المتحدة خصومها بانتهاج الدبلوماسية في حل الأزمات الدولية وهي التي تضع العسكرة والضغوط المختلفة في رأس أولوياتها لتمرير أجنداتها وتحقيق مصالحها، وليس أدل على ذلك من الميزانية الهائلة التي خصصها الكونغرس الأميركي هذا العام للبنتاغون والتي تعادل الميزانيات العسكرية لعشر دول كبرى تليها في ترتيب القوة العسكرية، وكان الأحرى بها أن تخصص ربع هذه الميزانية للخارجية لو كانت تريد فعلاً أن تكون الدبلوماسية نهجاً حقيقياً في التعاطي بين الدول.
فوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يطالب روسيا بتجنب ما أسماه “العدوان” بحق أوكرانيا ويطالبها باختيار طريق “الدبلوماسية”، فيما حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي تتزعمه وتقوده واشنطن يحاول بكل السبل والوسائل محاصرة روسيا عسكرياً وافتعال المزيد من الأزمات والمشكلات في محيطها الإقليمي وفي دول تعتبر جزءاً من أمنها القومي، فهل أفعال الناتو هذه هي مجرد نهج دبلوماسي أم أنها مقدمة أو تمهيد لإشعال حروب مدمرة وتأجيج أزمات جديدة..؟! وما يقال بخصوص روسيا يطبق مع كل من الصين وسورية وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية والعديد من الدول الرافضة للهيمنة الأميركية.
جميع دول العالم تعلم – والكثير منها عانى التدخل الأميركي في شؤونه – أن واشنطن لا تقيم وزناً للدبلوماسية والحوار في العلاقات الدولية، بل كثيراً ما كانت الدبلوماسية غطاء لعمل عسكري يتم التحضير له، كما جرى عام 2003 في العراق وعام 2011 في ليبيا، ومن يراقب حال البلدين يعلم أي دبلوماسية تم انتهاجها من قبل الرؤوس الحامية في واشنطن..
أميركا – كما هو واضح – تريد تركيب العالم وبرمجته وفق مزاجها ومصالحها وفق منطق القوة العسكرية والهيمنة والتسلط والعدوان، أما الدبلوماسية في عرفها فهي شكل من أشكال التهديد والضغوط على الآخرين يحاول تحقيق ما عجزت عنه القوة، وهذا ما جعل العالم يعج بالمشكلات والأزمات والحروب الساخنة والباردة على السواء، ولن يتبدل هذا الحال ما دامت السياسة الأميركية تسير وفق هذا النهج المخالف لكل الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية.
البقعة الساخنة -عبد الحليم سعود