مرت في نهاية العام الماضي 2021 الذكرى السنوية العشرون لرحيل الموسيقار الكبير عبد الفتاح سكر، هو الذي أقامت ألحانه جسور العبور، وحققت التواصل الحي والتناغم المطلق بين الأقطار العربية، حين أعاد إلى مشهديته الموسيقية حوارية التواصل المستلهمة من فضاءات الإيقاع الشرقي وعناصره الحميمية. فقد كان علامة فارقة في ذاكرتنا الثقافية والفنية، وأحد المعلمين الكبار القلائل الذين كشفوا أسرار وخفايا توازن النغمات والإيقاعات المغايرة المنبثقة من ثمرات خبرته التقنية والفنية، فقد ساهم بإعادة الاعتبار إلى تراثه الغنائي والموسيقي، الذي يكاد يختفي نتيجة جهل أبناء الجيل الجديد بالماضي الثقافي الأكثر قدرة على الاستمرار والتواصل والخلود، والإحساس بإيقاعات النغم الموسيقي، المتوهج بالإيقاعات الشعبية، باحثاً عن عمق الأصالة ولونها المنبثق من الإحساس الجماهيري، ولقد كان المطرب الكبير الراحل فهد بلان من أهم كشوفاته الفنية في مطلع ستينيات القرن الماضي، وراهن عليه كواحد من أبرز الموهوبين في الرعيل الجديد وكانت الأغنيات التي لحنها له: لركب حدك يالموتور، جس الطبيب، واشرح لها، تحت التفاحة، يابنات المكلا، شفتا أنا شفتا، الرمش المكحول، صح يارجال، ويلك يلي تعادينا، الفين سلام، من قليبي وعينيا، شقرة وشعرها شقراوي، يا شوفير وغيرها، بمثابة بوابة عبور لثنائي فني بلغ قمة الشهرة ووصل إلى حدود منافسة كبار الملحنين والمطربين في مصر والعالم العربي. ولقد تحدث المطرب الشعبي المصري الكبير الراحل محمد رشدي، عما كان يحدث في كواليس المنافسة قائلاً : بأن عبقري النغم بليغ حمدي زاره مرة وعرض عليه لحن أغنية (ردوا السلام) الذي أدته فيما بعد عفاف راضي . طالباً منه بأن ينسحب من حفل موسيقار الأزمان فريد الأطرش (شم النسيم) الذي كان سيشارك فيه أيضاً فهد بلان , وينضم إلى حفل عبد الحليم حافظ ، وذلك لأن فهد بلان شكل خطراً على نجومية محمد رشدي بألحان عبد الفتاح سكر . ولكن محمد رشدي الذي كان يلحن له بليغ حمدي، رفض أن ينسحب من المشاركة بحفل فريد الأطرش ، معتبرا أن عرض لحن (ردوا السلام) بهذه الطريقة جاء كنوع من الرشوة . وهذا يعني أن الراحل الكبير الموسيقار عبد الفتاح سكر اخترق في مرحلته الذهبية الثوابت شبه التقليدية، وساهم إلى حد بعيد في ترسيخ حضور الفن السوري على النطاق العربي، ليزداد تألقاً وحرارة وحميمية.
رؤية- أديب مخزوم