عاداني الفرح منذ سنين، وفارقتني البهجة . كان الخوف قد أدركني منذ تلمست طلائع “الربيع العربي” .. مع تقدم الصيف الذي بشر به ذاك الربيع بدأت أفتقد عناصر الإمتاع والمؤانسة عنصراً وراء آخر، حتى اختل في عقلي ووجداني هوى الأمكنة ..!! ولكم هويتها ؟؟!!. وأصبحت أأرافق مروري في البقاع والقلاع والبوادي والمعمورة في سورية بالبكاء حزناً على الذي كان .. وليس فرحاً بما تعدني به الفصول.
استمر الحال كذلك .. وحملت المسؤولية الكلية للسن .. وسوء إدارة شؤون الناس .. وضيق ذات الحال .. وطبعاً وقبل كل شيء للذي حل بهذه البلاد وصور الخراب والدمار المنتشرة في ساحاتها .. واحتلال قوات العدوان من دول شتى لأجزاء من أراضينا .. وغيره الكثير الكثير .. ولم أعد أبحث عما يبدد هذا المشهد القاتل واللون القاتم ..
لوقت طويل نسبياً أصبحت أشعر رماداً يغطي كل بقاع وطننا.. فلم أعد أتفقد زهور السوسن والبنفسج و”البربهان ” في غاباتنا .. ولا عبق الزعتر البري والزوفا .. ولا كرنفال ألوان بخور مريم “الدوغميمي” … حتى ظننت أمهاتها كفت عن الولادة .. ولاسيما وقد شهدت العبث اليومي دون حسيب أو رقيب، للثروات البرية النباتية والحيوانية التي تنتجها الأرض.
ونسيت تماماً مواعيد شتاءات بلدنا مع الثلوج .. وأشهدت على ذلك، أنني لم أعد أراها ..!! لا على قمم ولا على هضاب ..
كدت أنسى ذلك كله .. وانشغلت كثيراً في مهرجانات “يرحم أو يرحمها” على مواقع التواصل وبدعاء الشفاء للمرضى والمصابين .. قلما أرى ما يستوجب رسائل التهنئة والفرح .. والأيام تمضي .. وتجعلك تصدق ما تأمرت مع نفسك وكسلك لتثبيته كحقيقة .. لولا “رشيد” الصغير الكبير ..
هم الأطفال الذين يرفضون الأقفاص التي نصنعها . لحبس النظر والمشاعر فينا فيفرضون علينا أن نبحث لهم عن الحياة ..
منذ بدأ الشتاء ورشيد يريد أن يلتقي بثلوج سورية .. سبحان الذي خلقه لا يكل ولا يمل .. ولا يقتنع أن ليس ثمة ثلج قد سقط ..كلما مد ببصره فصادفت ثلجاً على المرتفعات البعيدة حتى جبل الشيخ .. عاد للسؤال والطلب: بدنا نروح ع الثلج .. خذونا ع الثلج ..
أخيراً .. يوم الإثنين الفائت اتكلت على الله وهمة جدة رشيد “زوجتي” ورفقة أمه “ابنتي” وقصدنا بلودان .. وبعد بلودان جرودها المتاخمة .. وكان ثلجاً صادقاً .. أقنعني بأنه ما زال هناك من يهتف بالبياض .. ولكثرة الذين شاركونا هذه المشاعر وأتوا إلى هذه المواقع ضاقت الطرقات علينا .. واتسعت المغامرة .. إلى حدود أن تمسح من الذهن شبه الادعاء أنها لو أثلجت لوصلنا الخبر .. بلودان وصلها الخبر.
كل عام وأنتم بخير ..
معاً على الطريق- أسعد عبود