ربما كنت من جيل محظوظ عاش طقوس الثلج في القرى والجبال العالية التي تتقطع فيها سبل الحياة حين يصل ارتفاع الثلج إلى أكثر من متر.
لكنها تبقى متقدة تشتعل داخل البيوت حياة حيث مدفأة الحطب وأكداس من (القرامي) التي تعد من الصيف لتكون زاد الشتاء …ولمن لا يعرفها هي جذوع شجر تم قطعه حين استصلاح الأراضي يدوياً ..
أو جذوع شجر تيبس ..
كانت صباحات الثلج مغرية لنا ..أشم رائحة طبخ من الصباح …شوربة العدس أو البرغل ..تبتسم أمي وتقول لنا: هذه للبقرات طبعاً مع ماء فاتر يقدم ..
كيف لا تكون لهن …ومصدر رزقنا منهن؟
بعد قليل وحين اكتمال الجمع من الأبناء يكون الحمص المهروس أو الفول قد صار جاهزاً مع خبز التنور الذي لا يعد لك أحد ما كم خبزة أكلت.
وتكتمل الفرحة بالانقطاع عن المدرسة لأيام عدة…ظلت هذه الفرحة ترافقني حتى عندما عملت مدرساً مكلفاً ..صحيح لن أتقاضى أجراً على أيام عطل الثلج لكنها فرحة الطفولة تمتد.
وحين حفظنا نشيد يا ثلج قد هيجت أشجاني أصبح رفيقنا مع أننا لم نغادر المكان ولا ذكريات ..
اليوم مع الثلج الخجول في دمشق يصبح للذكريات طعماً آخر..نعم حنين لمدفأة الحطب وبرغل وشوربة وقليل من ثمر السنديان ..
ويعانق الحنين لهفة لكل ما فات من أيام جميلة وتدمع العين على حال لا يسر وإنسانية عالمية كاذبة ..
لكننا نسترجع الأمل مع بسمة جندي يحرسنا ..مع كل من يلفحه هذا الصقيع لكنه يكمل واجبه بكل حب وإخلاص..
صقيع الثلج وما يحمله ليس أشد قسوة ووطأة من صقيع من لا يعمل بضميره من لا يعد العدة ويحسب حساب هذه الأيام..
في جعبة الثلج نافورة حنين ولكن صقيع الواقع يجمدها ..
لكن ماذا لو كانوا يعملون بربع ما عملت وتعمل به الأمهات…سلام لك أمي سلام لكل أم لكل سيدة بيت …سلام لكم أبناء التضحية حماة الديار.
معاً على الطريق- ديب علي حسن