الثورة – أديب مخزوم:
حافظ الفنان عصام حتيتو (وهو أستاذ أكاديمي متمكن) خلال مشواره الفني الطويل على الأسلوب الواقعي الحديث (مسيرة أكثر من أربعة عقود) وبقي على ضفاف الشكل، وعلى حدود المنظور الملموس بالعين والقلب، أي أن الصياغة الفنية رغم اتجاهها في أكثر الأحيان نحو التعامل مع الألوان بكثافة في الزيتيات، والشفافية في المائيات، ظلت في لوحات الطبيعة وغيرها، عند إشارات الشكل الخارجي، النابع من رطوبة ودفء الأمكنة الباقية في ذاكرة العين ومخزونها البصري.
وأسلوبه الفني يتميز بصياغة واقعية فيها نفحة غنائية انطباعية وتعبيرية مستمدة من إيقاعات أشكال وألوان وأنوار الطبيعة، إلى جانب تناوله لموضوع العمارة القديمة من الداخل والخارج، والموضوعات الإنسانية، وخاصة المرأة في المدينة والريف، والزهور وغيرها، ومن خلال مواضيعه يؤكد قدرة فنية تشريحية عالية، تستعيد بوضوح تأثيرات الدراسة الأكاديمية، وتعمل على إيجاد فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى لمسة تلقائية وعفوية تلغي الرتابة التسجيلية دون ادعاء أو تزلف.
هذا ما نستشفه في المساحات اللونية الشاعرية والغنائية الكامنة في عناصر المشهد الطبيعي وفضاءاته الرحبة، وهذا ما نجده أيضاً في اللمسات العفوية الكامنة في تعبيرية الوجوه والمشاهد الأنثوية، وبذلك فلمساته تمتلك قدراً من الحيوية والتعبير اللوني المرتبط من الناحية التشكيلية والتقنية بمبادئ جمالية تقترب من جماليات فنون العصر، بقدر ابتعادها عن مناخ الواقعية التقليدية.
ففي مشاهد الطبيعة (الأشجار والتلال والهضاب والمنحدرات والمستنقعات وحركة الغيوم..) يسجل خطوات في اتجاه التعبير عن الانطباع الذي يمنحه تأمل المشهد في الهواء الطلق، وفي هذه الحالة تندمج المشاعر بحركة اللون العفوي وتعطي الفنان عصام حتيتو قدرة على الإقناع والإدهاش. وهنا تتحول الألوان إلى لمسات وضربات عفوية تصل إلى حدود اللمسة الانطباعية القادرة على الحد من الرزانة التصورية المتواجدة في الفن الواقعي والكلاسيكي، مع إضفاء المزيد من الأناقة والشاعرية في المظهرين التكويني والتلويني.
ويكفي أن نشير إلى أنه يجسد المشاهدات الطبيعية والبنى المعمارية والمناخات الريفية والعناصر الإنسانية والوجوه وإيقاعات الزهور وغيرها، بإضفاء حالة أقرب إلى الانطباعية والواقعية الجديدة، قوامها قدرة مطلقة على تحديد أماكن الضوء، وتحولات الضوء واللون، و ضربات متلاحقة ومباشرة، وقد يتجه أحياناً لإبراز حركة مزجية ما بين الواقعية والانطباعية والتعبيرية.
إنه عشق أبدي ودائم للرسم، وتأكيد لمهارة تقنية خاصة، وإحساس مباشر بشاعرية المشهد، الذي يرسمه غالباً بروح حديثة تعيدنا إلى مرحلة ما بعد الانطباعية.
والأداء التقني الذي يعمل على تثبيته في حركة لمساته اللونية الهادئة أحياناً والمنفعلة أحياناً أخرى، ما هو إلا صدى لعلاقة لوحاته بحريته أو بإحساسه، كل ذلك يعمل على خلق حركة خيال شاعري وغنائي داخل فضاء اللوحة، وبالتالي حملت نفحات من الفرح والإشراق والإحساس النابض بالحركة والخيال والشعر، كما أن اللوحة عنده شكلت دعوة دائمة لتأمل جمالية الوجوه (وخاصة الأنثوية) وخصوصية الأبنية المحلية التي تجمع الأداء التلويني والتكويني من الينبوع الذاتي والروحي. وعلى هذا كشف عن علاقته الوطيدة بالبيئة والمناخ والواقع المحلي، حيث اتجه ومنذ عقود إلى رسم الأمكنة الحميمية المكشوفة على ألوان وأنوار وأضواء الطبيعة والأجواء الريفية والوجوه والبنى المعمارية والزهور.
كما قدم في بعض لوحاته، الأشخاص في فضاء العمارة والمنظر الطبيعي، بأسلوب تقني لافت، بعيد عن الصياغة الواقعية التقليدية، فالتأليف يخرج من مشاعره وأحاسيسه ورؤاه الفنية، مركزاً لإبراز الإيقاع الموسيقي اللوني والغنائية التعبيرية.
فالبحث عن نسيج لوني عفوي فتح لوحاته على احتمالات لونية غنائية، تستفيد من الانطباعية في تسجيلاته البصرية اللحظوية المتبدلة على الأشياء (تبدلات اللون والضوء)، وتستفيد من الأكاديمية في مظاهر الانحياز نحو المساحات اللونية العفوية التي تحافظ على نسب الأشكال والعناصر.
كما نقع في لوحاته التي جسد فيها المرأة، على أسرار ومكامن ومفاتن الجمال الأنثوي، حين يحرك الجلسة أو الوجه ويختبره ويبدل في وضعياته وإضاءاته وطرق معالجته من منطلق الحفاظ على الأسس الأكاديمية من توازنات في التأليف والتلوين، ضمن أجواء لونية محددة ومتقاربة.
عصام حتيتو من مواليد منبج 1953 وهو حائز على ماجستير فنون جميلة 1982 من أكاديمية فنون سان بطرس بورغ – روسيا. ولقد أقام 21 معرضاً فردياً، توزعت بين حلب ودمشق والرقة ودير الزور واللاذقية وحمص وخارج سورية. إضافة لثلاثة معارض في نواكشوط عاصمة موريتانيا. إلى جانب مشاركاته في المعارض الجماعية الرسمية والخاصة داخل سورية وخارجها.