رغم إيماننا بأن الأعمار مكتوبة، وأن سنين الحياة معدودة، لكننا مازلنا نحمل في أعماقنا تلك المشاعر التي ترفض الفقد وتنكر ما قد يؤول إليه حال من نحبهم عندما تجف الأقلام وترفع الصحف، ويصبح الموت هو سيد الواقع الأليم الذي هو آت لا محالة.
اليوم ولأول مرة في حياتي أشعر ببرودة وقشعريرة تتسلل إلى روحي، فالجميع منهمك بتقديم الأمنيات والمباركات لسيدة العطف والحنان والحب، بينما أنكفىء على نفسي يلفني الحزن الشديد على فراق والدتي، ومازال الجرح غائراً نازفاً على فراقها مع والدي تفصل بينهم أيام قليلة، لتصبح الحياة جدباء قاحلة، شمسها باردة، وماؤها بطعم العلقم، وكلّ شيء فقد ألقه إلا من ذكرياتهما وروحهما التي ماتزال تحوّم فوق حياتي تهدي إلىّ الأمن والسكينة والرضى بقضاء الله وقدره.
واليوم ولأول مرة أيضاً أحمل باقات الورد التي تحبها لأقدمها قربانا عند روحها الساكنة في العالم الآخر، وأنا أعلم أن روحها النقية ستصغي إلى نداءات شوقي إليها، فلطالما منحتني ذاك السلام الروحي وأغدقت من روحها لتسعد نفسي وتشرق أيامي.
قيل الكثير في الأم، وقد أبحر الكتاب والشعراء في وصف مآثر الأم ودورها في الحياة، وأجادوا الغوص في مشاعرها التي تسع الكون كلّه، وفي تضحياتها التي لا تعادلها تضحية، ولكن أنى لتلك الأقلام أن تعيد إلى أرواحنا الباردة ذاك الدفء السرمدي الذي ينعش قلوبنا ويمنحها الحياة، وأنى لمداد كلماتهم أن تضيء دروبنا بالحب والرضى وعبق نسائم أمي.
أمهاتنا أوطاننا الصغيرة، ومؤلم جدا فراق الوطن، أمي يا جسر الحب الصاعد إلى الجنة، أفتقدك بكل تفاصيل الحياة، السلام لروحك ولأرواح الراحلات من الأمهات، وطول البقاء للجميع.
رؤية ثقافية – فاتن أحمد دعبول