أرقام، وأصفار تتضاعف كل يوم وهي تقف إلى جانب أعداد مَنْ المحتوى الإلكتروني الذي يضيفه البشر إلى شبكة المعلومات دون توقف، حتى أن الإحصاءات تكشف أن أعداد البيانات المضافة يومياً، وخاصة ما يأتي منها من مواقع التواصل الاجتماعي، تكاد تصل إلى الرقم الواحد الذي يتبعه على يمينه ثمانية عشر صفراً.. فهل يمكن لنا أن نتخيل هذا الكم الهائل من المعلومات، والبيانات التي تخزَّن على الشبكة الذكية؟.
وإذا كنا نقف بادئ الأمر عند الأرقام، إلا أننا سرعان ما نتحول إلى محتواها، وتحليلها، وهو الأهم، والأخطر.. وما يسمونه (البيانات الضخمة) هي معلومات أولية تخضع للفرز، والتحليل، قبل المعالجة شأنها شأن المعادن الخام التي يتم تصنيعها للاستفادة منها.. أما صندوقها الذي ينطبق عليها فيكاد يصبح حاله كحال الكون الذي يتمدد باستمرار.
تلك البيانات الضخمة، والتي لا يتوقف تدفقها اللحظي، والتي تخضع في معالجتها لخوارزميات الذكاء الصناعي، يمكن الاستفادة منها في اتجاهات شتى فمنها ما يسقط في الزوايا المهملة، ومنها ما يصبح عنصراً فعالاً في اكتشاف معلومات تبنى عليها نظريات، وأخرى تساعد على اتخاذ قرارات، وعقد مقارنات تتبعها ممارسات، وغيرها تعالج بسببها مشكلات، وترسم وفقها سياسات، وتنفق لأجلها الأموال كما تجنى وخاصة في مجال التسويق.
صحيح أن قواعد البيانات الرقمية الهائلة هذه التي تستفيد منها المؤسسات والشركات الكبرى تشكل مرحلة هامة من التطور التقني الذي وصلنا إليه إلا أنها في الوقت نفسه تتحول إلى غول يلتهمنا كأفراد، وكمجتمعات، وكدول إذ من خلالها يمكن رصد إمكاناتنا، وأمزجتنا، وأحوالنا، ورسم صورة حقيقية لما نحن عليه بما يسمح لمن يمتلك تلك البيانات أن ينفذ إلينا بطريقة، أو بأخرى بهدف السيطرة ربما، أو الاستفادة من الثروات خاصة إذا ما كانت الأولوية هي للمنفعة الاقتصادية، ولتصبح بالتالي المجتمعات التي لا تمتلك شيئاً من مخزون هذه البئر العميقة من البيانات حقلاً لوقوع الأحداث الكبرى دون إمكانية التحكم بها.
وهكذا كلما أوغلنا في الرقمية تحولت الحياة إلى بيانات، وأرقام يستغلها مَنْ يمتلكها كشكل جديد من أشكال العبودية الجديدة، وهيمنة أطراف عالمية دون أخرى.. لكن بنظرة أخرى فإننا لا نستطيع أن ننكر مدى أهمية (البيانات العظمى) هذه في استخدامات تحقق تطوراً في مجالات العلوم، والبحوث، والطب، والتجارة، والصناعة، والهندسة، والتعليم، وغيرها.
مخزن العالم الكبير هذا الذي ينمو ذاتياً بقدر ما يضاف إليه من شبكات، وحواسيب، أصبح يعرف عن الكل، ولو كان من القليل، وبات قادراً على أن يرسم لنا خطوطاً للمستقبل عندما تتجمع المعلومات في بؤرة واحدة.. وبعض العاملين في المجال يرون أن مجرد سحب الأفكار من مخازنها لقرنها بعضها ببعض والخروج بها بنتائج مبتكرة هو إبداع بحد ذاته يضاف إلى الإبداع الإنساني على حد تعبير أحدهم.
فما بالنا إذا ما أصبحنا نستخدم شبكة الجيل الخامس لتستعر الحروب بين الدول على جمع المعلومات، والبيانات.. والسلاح الأقوى هو لمن يملك النصيب الأكبر منها، وله بالتالي القدرة الأكبر في السيطرة على كل مَنْ هو دونه.
إلا أن القدرات البشرية، والخيال الإنساني الذي يدعمه ما وصل إليه الذكاء الصناعي من تفوق، لا يمكن أن يتوقفا عند هذا الحد، فهل ستسَجل إضافات جديدة لاستخدامات قواعد البيانات تُغني هذه الذخيرة المتداولة، أو ربما تتفوق عليها؟ هذا ما يجعلنا نترقب ثورة رقمية من نوع جديد، إلا أنها ثورة ما نزال نجهل تفجيرها، كما نجهل نتائجها.
(إضاءات) ـ لينـــــا كيـــــــلاني