لم يكن لكفوف أستاذي في الصف الثاني وتنديده بي، هروباً من الرفاقية التي جمعته بأبي في حزب في محنة قاسية استمرت طويلاً وما زالت سيرتها تتلى، أن تردعني عن المواظبة في المدرسة الابتدائية .. وللحقيقة أن كفوف أبي كانت ترعبني أكثر، لو فكرت مجرد تفكير أنني يمكن أن أعرض على روحي دون أن يسمعني أحد فكرة الفرار من المدرسة .. أنا لم أنوِ قط ترك المدرسة .. وتحملت الأشهر الأولى من الصف الثاني مع جحيم الأستاذ، رفيق أبي، إلى أن انقطع هو عن المدرسة .. ورُوي أن للسياسة وحزبه علاقة بالموضوع .. أنا لم يكن لي – وبشكل طبيعي – أي علاقة، رغم سعادتي أنه ترك المدرسة هو ولم أتركها أنا .. لم يسلمنا لأستاذ آخر .. إنما على ما أتذكر تولى أمرنا بعض أو أحد من أبناء قريتنا تخرج من مدارس ودراسات فك الحرف..
في الصف الثالث كانت كارثتي التي تأخرت في تقدير حجمها وأبعادها .. ماتت أمي .. وقد حظيت لبضعة أيام بتعاطف من أهل القرية وتلاميذ المدرسة وحتى المعلم الذي على عكس سلفه كان من حزب البعث العربي الاشتراكي .. وبالتالي كان نداً سياسياً لأبي … ولم يعرضني ذلك لأي إكراه أو كراهية من قبله .. كان طيباً ومن عائلة متدينة..
في الرابع الابتدائي بدأت أهتم بشؤون تعليمي ومدرستي .. ونجحت في صفي رغم صغر سني في العام التالي كان علي أن أواجه امتحان شهادة الدراسة الابتدائية “السرتفيكا” .. ونجحت مع خمسة من رفاقي من بين أكثر من عشرين متقدماً .. وأصبحت حديث الناس .. مرة من صغر سني ومرتان من صغر قامتي..
أكثر ما واجهت في تلك الأيام كان كثرة فقداني لأقلامي .. وخاصة قلم الحبر .. بكيت طويلاً على ضياع أول قلم اشتريته بنصف ليرة لونه أخضر كتب عليه بالعربية .. “ريجنت الأقلام الألمانية الأصلية “.. صبرت على حكم الدنيا بفقدانه وما اشتريت بعده حتى فقدت قلمي “التروبن” بتاجه وريشته الذهبيين ..وكان قلماً رائعاً شديد الانتشار وكانت تعتمده دوائر الدولة لكبار المديرين والموظفين..
ضياع القلم يمنعك من الكتابة .. بالنسبة لي يمنعني حتى من التفكير مثلما حصل معي في الشهر الأخير .. حيث تعطلت بطارية حاسوبي الشخصي .. ليس فقط لأنني لا أستطيع الكتابة من غيره .. بل لأن بطاريته شلت تفكيري لأجدها .. فهو من عتقه لم يعد له قطع تبديل بسهولة.. المهم أخيراً وجدت البطارية واشتريتها بتسعين ألف ليرة وكنت قد اشتريت الحاسوب بكامل هيئته الاعتبارية بثلاثين ألفاً ..
أخاف أن يعيدني الحاسوب أمياً .. فأنا أعشق القلم والورقة وأعمدة الورق “الجرائد” .. أما الجيل الجديد .. أولاد الحواسيب .. فما أشطرهم .. وتقول لي: أيامنا أحسن ..!!! ربما ..
معاً على الطريق- أسعد عبود