الثورة – هفاف ميهوب:
شهداء اليوم، هم شهداء الأمس.. الأمس البعيد، الأبعد من اليوم الذي ارتكب فيه العثماني السفّاح مجزرة، أضافت إلى سجلّه الإجرامي سجلاً هو وصمة عاره الأبدية، والأمس الذي تلا هذا اليوم بأيام،ٍ توالت فيها المجازر البشعة في أحكامها التي تشبه حكم الإعدام الذي صدر بحقّ مجموعة من المثقفين والسياسيين والزعماء الوطنيين في لبنان وسورية..
كان ذلك، في مثل هذا اليوم من تاريخ 1916، وعندما استفاق أهالي دمشق على الفاجعة التي أفقدتهم رجال، واجهوا مصيرهم بشجاعةٍ أبقتهم أحياء في ذاكرة وطنهم وضمير شعبهم.. الوطن المرفوع بهاماتهم، والشعب الذي كان ولايزال، يصحو على عبقِ دماء تضحياتهم..
إنه ما جعل من السوريين، ناراً تتوقّد بالغضب وتصبّ جام نقمتها على الاحتلالِ والعدو العثماني، مثلما على أسياده وأعوانه وأذنابه، والمؤيدين والمساندين لتاريخه الملطّخ بالإجرام الإرهابي..
إنه أيضاً، ما فاقم أعداد الشهداء، وحوّل ساحة شهداء الأمس إلى ساحات، تعبق فضاءاتها بطهارة الدماء.. دماء الأبطال الذين واجهوا السفّاح وبطشه واستبداده، ودماء أحفادهم ممن سيّجوا الوطن بأجسادهم، فكانوا الشرف والكرامة والتضحية والاستبسال، في مواجهة الإرهاب الكوني وعبيده مثلما أسياده…
شهداء الأمس، أرواحٌ تهب الحياة لمن يسعى إليها كريمة، شريفة، وفيّة.. شهداء اليوم هم ذاتهم، أرواح تسري فينا فنزداد عزّة وشموخاً ويقيناً، بأن هذا الوطن غير مخصّص إلا للنفوس الأبيّة..
غير مخصّص، إلا لرجال الفكر المدافعين عنه بالمدادِ النازف من أقلامهم، ولرجالِ الحقّ المتماهين مع كلّ ذرّة تراب،ٍ آمنوا بأنهم منها وإليها، وبأنها المقدّسة وستبقى، تتعمّد ببخورِ دمائهم…