الثورة – أديب مخزوم:
تمر في 14 حزيران/ يونيو 2022 الذكرى السنوية ال 34 لرحيل الفنان رولان خوري (أحد رواد الحداثة التشكيلية السورية) فهو من الجيل الذي ساهم بنشر الحداثة الرومانسية / الانطباعية منذ مطلع الستينات، وأعطاها مع رفاقه الانطباعيين شرعية استكشاف الآفاق الجديدة، لأن المناخ الشعري القادم من تقنية صياغة اللمسة اللونية العفوية في فنه، ينضم إلى الحلقة الأولى الانتقالية في الفن السوري، من الصياغة الكلاسيكية والواقعية التسجيلية إلى الواقعية الجديدة، وبالتالي إلى الصياغة اللونية المتحررة، التي حرضت الأجيال الجديدة من الفنانين للانفتاح على تنويعات الحداثة.
هكذا كان يعيد صياغة المنظر الطبيعي والمعماري والإنساني من خلال تسجيل النغم اللوني، الذي يطل على المساحة البيضاء كمؤلفات موسيقية بصرية حميمة كان يلتقطها من خلال جولاته اليومية في الطبيعة أو يستعيدها في غربته من مخزون الذاكرة لتأكيد نبض الحياة الشرقية، حيث كان يركز على مفردات النغم لتسجيل اللحن البصري الذي يحكي جمالية امتداد اللون الشاعري لفسحة الطبيعة ولزرقة البحار والسماء، ومدى تناغم هذا الامتداد مع النور المحلي الذي يذيب قوالب الأشكال ويكشف عن روح الحركة اللونية الشاعرية التي تسري في المشهد وتجعله يتنفس أوكسجين الفرح الذي يعني في النهاية الحياة والخصوصية والتفرد.
وبما أن ذاكرة رولان خوري كانت مشبعة بأحلام طفولته في أنطاكية فقد كثفت هذه الذكريات الحالمة الدفق اللوني الشاعري ، حين استعاد في لوحاته موسيقا جلسات البحر ونزهات الشاطئ التي جاءت كتداعيات لإيقاعات طفولته. إنها الذاكرة الأولى التي كانت تطل في رسوماته ، والتي كانت المنطلق التلقائي لوصوله وهو في روما إلى الإيقاعات المحلية المستعادة من الذاكرة ، والتي أعطت (المشهد) مسافاته الشعرية المستمدة من المتنزهات الريفية والبحرية والتلال الخضراء ومشاهد مختارة من زوايا الأحياء القديمة والشوارع الشعبية وأحواض الزهور والنباتات الرطبة والوجوه.
ولوحات رولان خوري قبل أي شيء آخر تشكل مدخلاً لتأكيد تجليات مهارة اليد التي كانت تعزف أنغام اللحن اللوني الشاعري، الذي لم يشبع رغبته في اكتساب الأصول الفنية ضمن النسب الإنسانية والقوة الطبيعية ، فقد كان يولي هذه العناصر الأهمية الكبرى لإعطاء مرتكزات منطقية لانطلاقة اللوحة السورية الحديثة.
ولقد كان وفي جميع مراحله يرفض التخلي في نتاجه الفني عن الواقع بشكل نهائي أو جزئي حتى أنه في بيانه اكتفى بوصف أسلوبه (بالواقعية الإيحائية) رغم أنه كان يرغب دائماً بإقامة نوع من التوازن بين الواقعية والرومانسية والانطباعية، وهذا ما جعله في نهاية الأمر على مسافة بعيدة من الاتجاه التجريدي الحديث الذي نشأ عندنا في مطلع الستينات مع محمود حماد.
وفي هذا المجال أعطى اللوحة السورية الحديثة منعطفاً اختبارياً خاصاً ، على الأقل في مجال التأكيد على النسيج اللوني الشاعري الخاص ، الذي تحول في خط تصاعدي او تطور روحي نحو اللونية المحلية السورية في إطار القدرة على التعبير عن شاعرية الطبيعة، وتجسيد المناخ اللوني الضبابي، الذي يلف الأمكنة البحرية والسهول والمدى والطرقات والأحياء القديمة المتعددة الإيقاعات بحركة ناسها وكثافة عناصرها في لوحاته التي تبقى في النهاية تجربة طليعية ورائدة في مجال المشهد الجانح بقوة نحو الشاعرية الصافية الآتية من المؤثرات الرومانسية والانطباعية.
وهو من مواليد أنطاكية عام 1930، درس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة في روما ما بين عامي 1956 و1960 ثم عاد إلى سورية، وأقام معرضاً متنقلاً في دمشق وحلب وحمص وما لبث أن عاد إلى روما، وكان طوال فترة إقامته في العاصمة الإيطالية يرسم ويشارك في المعارض الجماعية والبيناليات الدولية، وقد شارك في تلك الفترة بمسابقة سان فيتو رومانو بإيطاليا لعام 1962 وحاز من خلالها على الجائزة التقديرية الأولى، وما بين عامي 1968 و1988 قام بعدة نشاطات فنية تنقل من خلالها بين روما وبيروت وحلب ، وكان رحيله بحلب في 14 حزيران 1988 وهو في أوج العطاء الفني الإبداعي.