أعيش في حالة متواصلة من التساؤل المحير، عن سبب هذه الكثرة، التي تتفاقم عندنا يوماً بعد آخر، بالمجالات الفنية والأدبية كافة، في الوقت الذي نجد فيه أن كل الأوروبيين، الذين انتشروا على مساحة القارة، الممتدة من القطب الشمالي إلى جوار أفريقيا، وعلى مدى ثلاثة آلاف سنة، لم يظهر فيهم أكثر من تسعين فناناً جديرين بهذا اللقب العظيم، موزعين على الشكل التالي: حوالي ثلاثين رساماً ونحاتاً، وأربعين موسيقياً، وعشرين شاعراً حقيقياً، أي بمعدل شاعر واحد على كل ثلاثة ملايين إنسان، ورسام واحد ونصف الرسام، وموسيقيين اثنين على مثل هذا العدد الهائل من البشر.
هكذا نكون قد وصلنا إلى حالة شبيهة، برحلة رجب في بلاد العجب، بحيث يأخذك العجب العجاب، وأنت تتابع هذا العدد الهائل من الداخلين في مجالات الفن والأدب ( وخاصة في التشكيل والغناء والعزف والشعر) بحيث أصبح عدد الموهوبين والعباقرة عندنا، هو عدد جميع الناس بلا استثناء.
وهذا يعني أننا بتنا نوابغ هذا الكون، حيث أصبحنا نسمع في دقائق معدودة عشرات الأسماء الجديدة،على صفحات التواصل، في مجالات الفن والأدب والشعر، ولم تعد الاتجاهات الفنية التجريدية العبثية ولا الدادائية ولا التجهيز والتجميع وما تفرع عنها من تيارات إشكالية، هي المشكلة، وإنما أصبحت المشكلة الأساسية تكمن في كيفية كشف الأعمال الواقعية المشغولة على الكمبيوتر، وفرزها عن الأعمال الحقيقية والصادقة، وذلك لكثرة الذين يستعينون ببرامج ترسم لهم ويدعون أنها من وحي عبقريتهم الفذة.
هذه مشكلة عصرية مستجدة، لم تكن موجودة في السابق، ولو عدنا إلى البورتريهات، التي كان يرسمها كبار الفنانين الرواد لوجدناها متواضعة أمام مايطرح اليوم من رسم واقعي ينسب لأنصاف الموهوبين والدخلاء ( فمن يستعين بالكمبيوتر عليه أن يقول إن هذا فن ديجيتال، بدلاً من الاعتماد على الغش والنفاق والخداع ) وإيهام الأخرين بأنه يرسم أفضل من بيكاسو، في مرحلته الواقعية، حين كان في مستهل حياته الفنية، ولاسيما إن كشف زيف هؤلاء ليس سهلاً، وخاصة وأنهم ينشرون لوحاتهم على الشاشة الملونة، ولا نرى اللوحة الأصلية.
من ناحية أخرى معاكسة بدأنا نشاهد لوحات ضعيفة جداً، من كل المدارس الفنية منسوبة إلى أسماء مسبوقة بعبارة الفنان العالمي والكوني وماشابه ذلك، ورغم كل ذلك نرى أن اتجاه هؤلاء نحو الفن، أفضل من تجاهلهم له، أو اتجاههم نحو أمور ضارة بالمجتمع، ولاسيما أن الزمن كفيل بإسقاط الأقنعة وكشف الزيف، لأن البقاء في النهاية هو للأفضل والأنقى والأكثر صدقاً وتميزاً وتفرداً.