لا زال موضوع العتمة الذي حصل قبل يومين بانقطاع الكهرباء يلقي بظلاله على كافة الشرائح بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها كافة القطاعات، ولا سيما “المونة” المنزلية، وصولاً إلى خسائر المنشات السياحية، ومحلات الألبان، والأجبان، واللحوم.
ما حصل قد يتكرر بظل الوضع الحالي للمنظومة الكهربائية في أي لحظة، ويضع كذلك القائمين على قطاع الكهرباء أمام تحديات جديدة تفرضها الحالة الفنية لمجموعات التوليد وشبكات الربط بين المحطات، كما يفرض ذلك إيقاعه على مشاريع التوليد الجديدة، ولا سيما ما يتعلق بموضوع الطاقات المتجددة.
منظومة كهربائية أنهكتها سنوات الحرب بالتدمير، والسرقة، والتشغيل القسري لا يُمكن الحديث عن موثوقيتها، لأن أهم عامل في وثوقية المنظومة الكهربائية هو أن يكون هنالك فائض في توليد الكهرباء، وهذا لا يُمكن الحديث عنه اليوم في ظل عجز التوليد بنسبة تزيد على 60 %.
تعزيز منظومة الكهرباء يبدأ ببناء مزيد من مشاريع التوليد لتجاوز مشكلتين أساسيتين، الأولى تتعلق بمخاطر المجموعات الحالية المُتهالكة والمرشحة للخروج بأي لحظة، أما المشكلة الثانية فتتعلق بمردود محطات التوليد، حيث تستهلك المجموعات الحالية كميات مضاعفة من الوقود وتعطي مردوداً متدنياً، ولو أن مجموعات التوليد بحالة فنية جيدة لكانت تُنتج ضعف ما تنتجه اليوم بكمية الوقود نفسها التي تستهلكها اليوم، وهذا ما سنلحظه مع دخول مشاريع التوليد الجديدة في الرستين باللاذقية ومحطة توليد حلب، أما فيما يخص مشاريع الطاقات المتجددة فهي تزيد من مخاطر وثوقية المنظومة الكهربائية إذ تجاوزت نسبة معينة من حجم التوليد، فإنتاج الكهرباء الذي يقل اليوم عن 2500 ميغا لا يسمح بإدخال أكثر من 400 ميغا من الطاقات المتجددة (ريحي وشمسي) إلا إذا كان هنالك تزويد لمناطق وتجمعات منفصلة عن الشبكة.
الملف الأخطر في الكهرباء هو الصيانات الذي كلف الكثير من المال والجهد، وندفع الثمن غالياً اليوم بسببه وذلك بسبب التشغيل القسري والارتجالي لمجموعات التوليد إلى أن وصلت مرحلة الانهيار، وكان الأجدى التوجه لشراء مجموعات توليد متنقلة باستطاعات 25 ميغا كسباً للوقت، لأن فرق استهلاك الوقود لوحده يكفي، فالصيانات التي تمت لمجموعات استطاعتها الاسمية كبيرة، وأعطت بعد الصيانة 30 % من استطاعاتها ولكن باستهلاك الوقود نفسه، كان من الأفضل استبدالها بعد أن وصلت الانهيار.
لا تُحسد إدارة قطاع الكهرباء على وضعها الحالي، ولن ينفع التبرير الذي بات مكشوفاً ومعروفاً وملموساً للجميع، الأمر يحتاج اإلى مشاريع جديدة وخطط زمنية دقيقة كي لا نبقَ في الوعود ونحصد التراجع.