الثورة – فؤاد مسعد:
باسمه الكبير وتاريخه العريق كان الفنان رشيد عساف منذ أيام في عين العاصفة عندما انتشرت شائعة وفاته وتم تداولها كالنار في الهشيم عبر العديد من الصفحات على الأنترنت، والمفارقة أن الكثير من المعلقين على الخبر لم يتحروا عن صحته أو مصدره وإنما أخذوا يذرفون الدموع ويتغنون بأعماله مستذكرين ما شكل منها علامات فارقة في مسيرته، والأكثر غرابة أن هناك من تماهى مع الشائعة وتعامل معها دون أي جهد للبحث وللاستقصاء.
وأمام هذا التهويل جاء تعامل الفنان رشيد عساف مع الشائعة هادئاً بعيداً عن الانفعال عاكساً نبله وأصالته وإنسانيته وطيب روحه واحترامه الكبير لجمهوره ولفنه، فقد أكد عبر تصريحات إعلامية مدى قساوة الشائعة عليه لكن بددت غيومها المحبة الكبيرة التي لقيها من الناس.
وقبل هذه الحادثة بأيام انتشرت على بعض صفحات السوشيال ميديا أخبار حول كلام منسوب لفنانة تحمل من النبل والرقي الكثير، هي الفنانة جيانا عيد بكل سجلها المحفور في وجدان وأفئدة الكثيرين بماء من ذهب وبكل ما تمتلك من ثقافة وإنسانية وهاجس إبداعي ما فتئت تعبر عنه بكل شغف قولاً وعملاً، حيث تم اقتطاع كلام مما قالته عبر مقابلة أجرِيت معها مؤخراً وقدم بأسلوب يخلو من البراءة ويقترب من الخبث لخلق ما يمكن أن يحقق في النهاية (تريند) لناشره، ولكن ما يعرّي هذه الفبركة وسطحية تعاطي البعض مع ما يسمع هو متابعة اللقاء كاملاً والاستماع إليه بصوتها لأن كل ما قالته كان يعكس روحها وتاريخها وقناعاتها فجاء الحوار شفافاً صريحاً فيه الكثير من الاحترام والدقة حتى في انتقاء الكلمات، وتحدثت بروح معشّقة بالانتماء لسورية بلد الخير والحب والحضارة داعية إلى البناء بإحساس ملؤه الأمل مؤكدة أن سورية بلد المحبة.
ما تم ذكره لا يتعدى أن يكون غيضاً من فيض تركيبات وتلفيقات وأخبار تفتقد للمصداقية تُطلق جذافاً هنا وهناك سبق أن أصابت سهامها الكثيرين، والضحية دائماً تُنتقى من المشاهير الذين يكونون عادة محط أنظار الرأي العام، وإن كان للشائعات روادها ومرتادوها والمتفننون بخلقها وتسويقها إلا أن الدوافع وراء إطلاقها تبقى كثيرة فربما أشعل فتيلها مراهق باحث عن تسلية أو حاقد أو جاهل لا يدرك ما يمكنها أن تترك من أثر في النفس وهمه أن تصبح وقوداً لنيل (اللايك) على صفحة فيسبوك، فبالنسبة إليه ليست سوى خبر خلّبي هدفه لا يتعدى في سطحيته الوصول إلى (الأكثر مُتابعة)، وقد اعتُبِرت الشائعة عبر مختلف العصور من أهم وسائل وأساليب الحروب غير النظيفة في العالم لما تمتلكه من إمكانية الانتشار وقابلية الاشتعال في أي لحظة ولما تحمله من عناصر جذب وقوة تأثير فاعلة، خاصة أنه غالباً ما تتمحور حول أخبار مؤلمة.
ولكن مما لا شك فيه أن المراهنين على اغتيال روح الفن الأصيل هم أبعد ما يكونون قدرة على محاول المساس بمبدعيه، ويبقى للوعي دوره في محاولة الفرز بين الخبر الصادق والآخر المفبرك والميزان البحث عن المصدر الموثوق الذي يمتلك المصداقية عند المتلقي، إضافة إلى محبة الناس للفنان ومكانته في قلوبهم ومعرفتهم بتاريخه وأعماله ومنطق حديثه ومدى ثقافته.