تحتفي الشعوب جميعها بتراثها المادي واللامادي، إيماناً منها أن هذا التراث يشكّل ذاكرة حقيقية وسفراً خالداً في تاريخها، لذلك تعمل جاهدة على توثيقه وإحيائه وتطوير السبل للحفاظ على هذا التراث وخصوصاً اللامادي منه، فهو يحمل في طياته العادات والتقاليد والمهن التي تتميز بها كلّ أمة عن سواها من الأمم الأخرى.
ونظراً للأخطار التي تعرض لها تراثنا اللامادي في سورية من جراء الحرب الظالمة التي أودت بحياة البعض، ودفعت بآخرين للهجرة، وحرصاً منها على كنوز التراث من الضياع، أقامت وزارة الثقافة ورشة عمل استمرت أربعة أيام، تركزت عناوينها على ضرورة حماية تراثنا اللامادي والعمل على صونه، لأنه يشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من هويتنا الوطنية الجامعة، وهو قبل ذلك نتاج حضارات متعاقبة عميقة الجذور.
ومن يتابع ما جاء في هذه الورشة يدرك حجم المخاطر التي تحيق بتراثنا اللامادي رغم الجهود التي بدأت تعنى بهذا التراث، لكن هذه الجهود لا تزال قاصرة عن استيعاب التراث جميعه، ما يؤكد أهمية إشراك المجتمع الأهلي ونشر التوعية حوله، ومن الأهمية بمكان أيضاً تعزيز دوره في المساهمة بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن هل يكفي أن نقوم بورشات محدودة الساعات، ولقاءات في غير منبر ثقافي لحماية وصون تراثنا المادي واللامادي، أم يجب أن نعد العدة ونستنفر الجهود في القطاعات الحكومية وغير الحكومية من جمعيات ومبادرات للنهوض بتراثنا، وخصوصاً فئة الشباب، فهم يشكّلون طاقات هائلة في مجتمعنا، عندما نستقطبهم ونخضعهم لتدريبات منهجية وتعريفهم بدورهم في جمع تراث بلدهم، عبر غرس مفاهيم الانتماء لإرث أجدادهم العريق.
لا شك أن ملف التراث الثقافي اللامادي يحتاج جهوداً كبيرة في رسم استراتيجية وطنية تستقطب التراث جميعه في المحافظات كافة، وتعمل على إحيائه وتوثيقه وحفظه.
ومهما تواضعت الجهود، لابدّ أن نجزم أن شعباً استطاع أن يقارع الطغاة هذه السنوات الطويلة، ولايزال، هو شعب قادر أن ينهض بتراثه ويبث الحياة فيه من جديد، والخطوات الأولى من الألف ميل بدأت.