الثورة – لقاء عبد الحميد غانم:
“كل شيء من أوربا إلى أمريكا ومن آسيا إلى إفريقيا لم يبق على حالته التي كان عليها منذ حرب تشرين، إلا أن هذا الانقلاب المروع فيما يتعلق بـ”إسرائيل” قد اتخذ شكل الزلزال المدمر.. ذلك أن الحرب التي عصفت بها كانت قاسية عليها في ميادين القتال ثم كانت أشد من ذلك دماراً على الناس هناك فقد شهدوا مصرع حلم كبير تهاوى ورأوا بعد ذلك صورة معينة من “إسرائيل” وهي تزول إلى الأبد”.
هذه إحدى الشهادات التي قيلت عن نتائج حرب تشرين التحريرية ودونها الكاتب الفرنسي جان كلود جيبوه في كتابه “الأيام المؤلفة في إسرائيل”.. شهادات كثيرة عبرت عن أهمية نصر تشرين ونتائجه الخالدة في النفوس والتي لا تزال تبث في الأمة العربية القوة والشجاعة والإصرار على التمسك بالأرض والحقوق والعزيمة على متابعة مسيرة التحرير والنصر على العدو.. تلك الحرب التي اعترف مسؤولو الاحتلال بفداحة كارثيتها على الكيان الغاصب، حيث قال موشى ديان وزير الحرب الإسرائيلي بعد 48 ساعة من اندلاع الحرب: “هذه حرب صعبة معارك المدرعات فيها قاسية ومعارك الجو فيها مريرة إنها حرب ثقيلة بأيامها و ثقيلة بدمائها”، كانت صورة مغايرة كثيراً بعد عدوان 1967.
“الثورة” زارت رابطة المحاربين القدماء، والتقت مع عدد من ضباط الجيش العربي السوري ممن خاضوا وعايشوا حرب تشرين التحريرية، ونقلت انطباعاتهم وسجلت مواقف وبطولات جيشنا الباسل وصمود شعبنا البطل وحكمة قيادتنا، وكانت الحوارات التالية:
الشمالي: القائد المؤسس جهز الكثير لخوض الحرب
اللواء المتقاعد محمد الشمالي رئيس فرع دمشق لرابطة المحاربين القدماء، أكد أن القائد المؤسس حافظ الأسد بذل جهداً كبيراً لإعداد الجيش تسليحاً وتدريباً وأنه ركز في جل عمله وفكره على تطوير قواتنا المسلحة لحرب تشرين، وببعده ونظرته الاستراتيجية جهز الدولة والشعب والجيش لخوض غمار الحرب.
وأشار إلى أن معركة إعادة بناء القوات المسلحة في سورية ومصر أخذت هيكلاً نوعياً جديداً في توظيف القدرة البشرية في المعركة، وقال: لقد دخل الجندي المتعلم خريج الكليات العسكرية والجامعات ليسهم في التعامل مع التقنية العسكرية الحديثة المتطورة وكذلك توافق ذلك مع عملية إعداد مماثل على الصعيدين السياسي والسيكولوجي من مختلف الجوانب.
ونوه الشمالي بأهمية عمليات خدع العدو التي جرت في سورية ومصر وشكلت أروع مناورة سياسية تم فيها توجيه الإعلام في كلا البلدين لتسليط الضوء عليها، منها أهمية زيارة القائد المؤسس للمناطق الشرقية والاستعدادات الجارية لتنفيذها، وآثار الإعلام العربي موضوع الحل السلمي وضرورة إيجاد حل سياسي للوضع في المنطقة، وقام وزير خارجية مصر آنذاك بجولات سياسية خارجية، وجرى تسريح وهمي لعدد من الدورات في الجيش وغيرها.
وأشار اللواء الشمالي إلى أنه صحيح أنه سلبت جزءاً من الأرض السورية إلا أن كرامة السوريين والعرب لم تسلب وبقيت إرادتهم ثابتة ومستعدة للتضحية بالأعلى دفاعاً عن الحقوق والأرض.
وروى اللواء الشمالي أحداث تحرير عروس الجولان القنيطرة، وكان وقتها قائداً لإحدى كتائب الجيش المهاجمة وكيف انتزع جيشنا النصر وهزم العدو وأجبره على الفرار ومن بقي وقع أسيراً، وأن تحرير القنيطرة جاء بعد معركة ليلية، ووصف اللواء الشمالي شجاعة مقاتلينا ومهارتهم في اختراق تحصينات العدو والتعامل بحكمة مع تفوقه التقني وكيفية تدمير قواته وآلياته وطيرانه وأسر جنوده وإسقاط مقولته المشروخة ( الجيش الذي لا يقهر).
وقال: كانت معنويات مقاتلينا، من جنود وصف ضباط وضباط، عالية يتسابقون في تنفيذ مهامهم القتالية بشجاعة وبسالة ما أرهب العدو وهز كيانه وداس على أرض الواقع في الميدان كل شعارات العدو التي تبجح بها وأعلنها مراراً وتكراراً أن العرب لا يستطيعون تحرير أرضهم وأن لديه جيش لا يقهر فسقطت هذه الرواية وتهاوت.
وأضاف اللواء الشمالي: إن جيشنا الباسل الذي خاض تشرين التحرير هو ذاته الذي يخوض اليوم بقيادة القائد بشار الأسد معركة تحرير الوطن من رجس الإرهاب والإرهابيين ومشغليهم من أنظمة الغدر والخونة. ونحن على ثقة كبيرة بأن إنجاز تشرين التحرير سيتحقق مجدداً في النصر على الإرهاب والإرهابيين.
الشقا: العرب امتلكوا زمام المبادرة
اللواء المتقاعد محمود خليل الشقا رئيس فرع ريف دمشق لرابطة المحاربين القدماء قال: في الذكرى الـ49 لحرب تشرين التحريرية نحيي باحترام وإكبار من قرر وخطط وقاد تلك الحرب القائد المؤسس حافظ الأسد.. قرار الحرب كان من أولويات الحركة التصحيحية المجيدة في 16 تشرين الثاني 1970 هادفاً إلى تحرير الأراضي المحتلة في الجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة.
وأشار إلى أن القائد المؤسس عمل على تهيئة الظروف الملائمة داخلياً وعربياً ودولياً ودراسة أفضل السبل لخوض حرب عربية ناجحة من خلال حشد الطاقات والإمكانات كافة في مختلف النواحي الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية والإعلامية.
وأكد اللواء الشقا أن حرب تشرين أول حرب امتلك فيها العرب زمام المبادرة وجسدت التضامن العربي إذ تم فيها التنسيق الناجح بين الجيش العربي السوري والجيش المصري الشقيق وكانت حرباً عربية بمشاركة الأشقاء العرب في مواجهة عدو واحد.
ونوه اللواء الشقا بأن هذا التنسيق الناجح شكل عاملاً رئيساً في نصر تشرين التحرير على العدو الإسرائيلي باستخدام أساليب الإخفاء والتمويه وتحقيق عامل المفاجأة رغم انتشار المراصد الإسرائيلية وما يتوفر للعدو من مصادر دعم أميركية وغربية.
واعتبر أن حرب تشرين أهم الحروب التي خاضها العرب وانتصر فيها على العدو الإسرائيلي وهددت كيانه المصطنع واعترف بهزيمته من اليوم الأول للحرب، وأن رئيسة وزراء الكيان غولدا مائير ووزير الحرب دايان، وجيش الاحتلال صعقوا من هول المفاجأة التي تقدم فيها الجيش السوري واخترق خط آلون حتى وصل إلى مشارف بحيرة طبريا إلى جانب تحرير مرصد جبل الشيخ، كما اخترقت القوات المصرية خط بارليف المقام شرق قناة السويس.
المحمد: المواطنون جسد واحد مع الدولة والجيش
اللواء المتقاعد محمد غازي المحمد قال: حرب تشرين كانت يوماً هاماً من أيام العرب سطع فيه سيف الحق عالياً.. حرب بعثت الأمل والتفاؤل بمستقبل زاهر لأمتنا وبعثت الروح من جديد في أمتنا بعد نكسة حزيران. كانت أيام الحرب عرساً وطنياً التفت جماهير شعبنا خلف جيشنا الباسل وقائده، وكان المواطنون كلهم جسداً واحداً يقفون مع الدولة والجيش، لا يهابون العدو ويثبتون أنهم أصحاب كرامة وأصحاب حق لا يتنازلون عنه مهما حشد العدو من قوات وأضاليل وأكاذيب.
وأكد اللواء المحمد أن نصر تشرين التحرير أسقط كل الأكاذيب والشعارات المخادعة حول ما يسمى (الجيش الذي لا يقهر)، فسقط هذا الشعار تحت أقدام بواسل جيشنا في ميدان المعركة وأمام بطولات جنودنا البواسل وتضحيات شهدائنا البررة.
وأشار إلى أن نصر تشرين قلب الموازين على العدو وكانت خسائره كبيرة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً حيث ارتفعت نسبة الفارين من المستوطنين إلى خارج الكيان وتوقفت الهجرة اليهودية من دول العالم إلى الكيان.
ونوه اللواء المحمد بما تمتع به شعبنا من معنويات عالية وشجاعة ودعم جيشنا الباسل فمثل أروع شكل للوحدة الوطنية والجبهة الداخلية المتماسكة خلف القائد المؤسس حافظ الأسد وجيشنا وقواته المسلحة.
وقال: جيش نصر تشرين هو نفسه اليوم الجيش الذي يهزم الإرهاب والإرهابيين ويحرر الوطن من رجسهم وهو الذي يقف خلف قيادة السيد الرئيس بشار الأسد في الدفاع عن الوطن من كل احتلال وإرهاب متمثلين قول سيادته:( لا شيء أغلى وأثمن من الوطن الذي هو رمز الكرامة والإباء والتقدم والعطاء لكافة مواطنيه على السواء).
أحمد: نصر تشرين أسقط غطرسة العدو
العميد المتقاعد سعيد أحمد أكد أن حرب تشرين التحريرية شكلت علامة فارقة في حياة الأمة العربية خاصة أنها أعادت للإنسان العربي ثقته بنفسه وبأمته ووطنه وبجيشه وقواته المسلحة وبقيادته، وأعادت الأمل بضرورة تحرير الأرض المحتلة وحقوقه المغتصبة، وشكلت هزيمة نكراء للعدو الإسرائيلي ومقولاته التي يتبجح بها التي عاصرناها ويحاول إحياءها من جديد (حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل) و(الجيش الذي لا يقهر) وغيرها كلها سقطت وتهاوت أمام بطولات جيشنا الباسل.
وأشار العميد أحمد إلى أن غطرسة العدو وحالة الزهو التي كان يظهرها قبل حرب تشرين توارت وسقطت بعد نصر تشرين التي أكدت أن الجندي العربي قادر على تحقيق النصر والتصدي للعدوان والمحتل ولديه الثقة بنفسه وبسلاحه وقيادته التي أعطته القدرة على اختراق تحصينات العدو وتدمير قواته ومنع تحقيق أطماعه في كل المواقع والمستويات.
ونوه العميد أحمد بالعامل النفسي والاجتماعي والمعنويات العالية لجنودنا البواسل وإيمانهم بعدالة قضيتهم وحقوق وطنهم وأمتهم وثقتهم بالنصر، كل ذلك شكل مرتكزاً كبيراً في ثبات جيشنا في مقارعة العدو وتحديهم لكل الظروف لانتزاع النصر وتحقيق أهداف الحرب في تحرير الأرض المحتلة، وقال: كانت القيادة السورية للجيش منسجمة ومدركة وواعية لخوض المعركة بقلب وإرادة واحدة من الشعب والدولة والجيش، فكانت معركة تشرين لتحرير الإنسان من اليأس والتشاؤم والهزيمة كما كانت لتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة، إذ استطاعت أن تعيد ثقة المواطن بنفسه وبوطنه وبجيشه.