تحدثنا كثيراً، أن الكرة في أيامنا هذه تحولت إلى صناعة مذهلة تفوق صناعة الدراما كما يتجاوز جمهورها جمهور الدراما، لذلك فإن المال الرياضي والاقتصاد يلعبان الدور الأهم حالياً في هذه الصناعة، وليس وحده من يفعل ذلك لكنه من الأهمية بمكان، وأنت ترى أن واحداً من الأندية المحافظة على الصدارة عالمياً وهو الريال يمتلك على دكة الاحتياط وليس الملعب، نجوماً تصل قيمة تعاقداتهم لمئات الملايين، وهناك العديد من أنديتنا المحلية حصلت على إدارات ناجحة في هذا الجانب، ما أدى إلى تغيير مساراتها بشكل جذري ورفع سقف طموحاتها إلى اللقب لا سواه، وعلى رأسها أزرق الدير الفتوة.
يضرب آزوري الدير (الفتوة) مثلاً عن دور الاقتصاد في نقل الواقع الكروي من حال إلى حال، فبعد تعثر في المواسم السابقة، منها ما كان الفتوة فيه يقاتل شبح الهبوط ومغادرة الأضواء، ومنها ما لعب فيها في المنتصف، كمحطة تتزود منها الفرق المتنافسة على الصدارة وقودها، كل منها يحاول الحصول على نقاط من الفتوة وغيره من الأندية التي لا تصنع فارقاً في الدوري سوى هذا.. تهزم فريقاً منافساً فيستفيد خصمه ويهزمها آخر فيتصدر.
بدأت ملامح عودة الفتوة القوية مع إدارة جديدة تدرك كيف تصنع الفارق عن طريق الاقتصاد، وشهد الميركاتو الصيفي تعاقدات قوية ولافتة كلفت خزينة النادي مبالغ طائلة، لكنها وقبل الدوري بشرت بالفتوة منافساً وهذا ما حدث فعلاً، فمنذ المباريات الأولى مع الكبار بدأ يظهر كمتصدر، حالياً بالمركز الرابع، مع مباراة مؤجلة، ثم أمام دوري طويل مع مؤشرات قوية جداً بأن الصدارة شبه محسومة.
لماذا؟ لأن الفتوة ظهر بهوية واضحة، يسير بثبات خطوة خطوة نحو القمة، وتتوضح ملامح الجهد الذي تم بذله مع الوقت، ومن الواضح أنه جهد مضنٍ بذلته إدارة النادي مع الجهاز الفني المتميز بقيادة المدرب ضرار رداوي، وطاقم التعاقدات الذي أعطى للفريق كل ما يمتلكه، دفاع قوي متين ومرمى مغلق بإحكام بحارس متألق، وأطراف متحركة وبناء هجمات متقن وسيلان لعاب تهديفي، وانسجام وهوية واضحة في الملعب جعلت اسم الفتوة مخيفاً للأندية الأخرى.
ليس الاقتصاد والمال كل شيء حين نضرب الفتوة مثلاً، ليس هذا ما نقوله، بل نقول إن إدارة الفتوة والجهاز الفني أثبتوا أن كرة القدم إلى جانب الاقتصاد هي الفكر والتخطيط والعمل النفسي، وإذا أراد الفريق أن ينجح فعليه أن ينجز التكامل بين الإدارة واللاعبين والجهاز الفني وهذا ما تم إنجازه.
إذاً.. ها قد عاد الفتوة لمكانه بين الكبار، نادٍ عريق يستحق هذا، ونستحق كلنا وليس جمهوره فقط أن نعود للاستمتاع بالآزوري وهو يخوض غمار معاركه الكروية بكل انضباط وألق ويمتع الجمهور السوري بأسره وليس جمهوره فقط ويكون مثالاً لبقية الأندية حتى نحصل على دوري لاهب كالمرجل، ساخن وممتع، ويا زمان الوصل في ملاعبنا الخضراء.