الثورة – بشرى سليمان:
يعتقد الكثير من الناس، أن الرسم موهبة فطرية تولد مع الإنسان، والحقيقة هي أن الرسم عموماً، مهارة يمكن لأي شخص تعلَّم أساسياتها وتقنياتها، حتى لو لم يكن موهوباً، المهم هو بذل الجهد، والتركيز، وإيجاد الوقت للتدريب، والأهم من كل ذلك هو الشغف لاكتساب هذه المهارة، مهما طال وقت التدريب ومهما كثرت المحاولات الفاشلة.
فالطفل في عمر السنتين أو الثلاثة، عندما يمسك قلماً وورقة يبدأ بالشخبطة ورسم الخطوط أو الدوائر، وهذا ليس مجرد موهبة، أو حاسة فنية، بل هو لغة يعبِّر من خلالها عن أحاسيسه وأفكاره، وأيضاً دعوة للتواصل معه، وعندما يتعلم الكتابة فهو يرسم الحروف، ثم في مرحلةٍ لاحقة يرسم خريطة وطنه، أو دارة كهربائية بسيطة أو أجزاء الزهرة، أو أجهزة جسم الإنسان، ما يجعل التربية الفنية مادة أساسية في المنهاج المدرسي أسوةً ببقية المواد الدراسية الأخرى، تندرج تحت عنوان الأنشطة اللاصفية (كالرياضة والموسيقا والمطالعة والرحلات وغيرها، تساعد على تنمية ميول ومواهب الطالب، وهي متممة وداعمة لعملية التعلم وبناء مهارات اجتماعية إيجابية.
يتابع الطفل مجد شعبان (11 عاماً) فيديوهات تعلِّم مبادئ الرسم للأطفال على اليوتيوب، ليفاجئ أمه في كل مرة، برسمة جديدة، وقد أُعجبتها الفراشة، والببغاء والزخارف الهندسية، وسيتابع في تعلم الرسم ثلاثي الأبعاد 3D.
أما لونا سلوم (14 عاماً) ظهرت موهبتها بالرسم في عمر السنتين تقريباً حيث رسمت قلباً ودباً صغيراً، ليزيد فيما بعد اهتمامها بموهبتها، وترسم ما يعبر عن حالتها النفسية مستخدمةً في ذلك قلم الرصاص، والألوان الخشبية، كما وتدمج أحياناً ألوان الباستيل والخشب، وأحياناً أخرى الخشب مع الفحم مع الرصاص للتظليل حسب كل لوحة، ولونا تحب رسم شخصيات الإنمي (شخصيات كرتونية لجميع الأعمار نشأت في اليابان ثم انتشرت على مستوى العالم) والرسومات الهندسية لأن حلمها مستقبلاً دراسة الهندسة المعمارية متخذةً زُها حديد كمثل أعلى لها.
ترى المعلمة سلافة حسين (مدرِّسة فنون مرحلة ابتدائية) أن: تعليم الفنون في المدارس بأشكاله المختلفة من رسم، ونحت، وأعمال يدوية، ينمِّي تفكير الطفل وسلوكه، وهو طريقة مثالية لتطوير مهاراته الحركية والعقلية ونموه النفسي والعاطفي، كما أنه وسيلة جيدة لتهدئة الطفل العصبي أو العنيد، لذا نحاول استثمار حصة الرسم بالشكل الأمثل، من خلال تشجيع الأطفال خاصةً في الصف الأول والثاني على اختيار الألوان المفضلة، والموضوع بحرية، ولا ننسى الثناء عليهم دائماً، لأنه يعزز ثقتهم بأنفسهم وبمهاراتهم، كما ندربهم على أساسيات الرسم بدءاً من رسم الخطوط والمنحنيات والدوائر والأشكال الهندسية مع تكرار رسمها بأحجام مختلفة، والتنبيه بعدم الضغط على القلم لإمكانية المحو وتصحيح الأخطاء، وصولاً إلى إضافة ملامح الوجه للدائرة ولفت انتباههم إلى مفهومي التناظر والتناسق بين الملامح، ثم مع التكرار سيصبح الأمر بالنسبة لهم أكثر سهولةً وإتقاناً، لكن على أرض الواقع هناك عوائق عدة تحول دون تحقيق أهداف مادة التربية الفنية، أهمها نظرة المجتمع لهذه المادة على أنها أقل أهمية من المواد العلمية أو اللغات، لدرجة استبدال حصة الرسم بمادة أخرى كالرياضيات، أو العلوم، أو اللغة العربية لاستدراك النقص الحاصل وتعويضه، كما أن غلاء الألوان الخشبية ذات النوعية الجيدة أو المائية حتى، يؤثر سلباً على أداء التلاميذ
* أساسيات الجمال
توضح الفنانة التشكيلية هبه ابراهيم في حديث مع صحيفة الثورة أن للرسم دوراً مهم في تنمية الجانب الإبداعي لدى الطالب ،وهو مهماً جداً في المراحل الأولى إذ يُعلِّم الطفل بعض الأساسيات الجمالية المتعلقة بأدق التفاصيل في حياتنا فينعكس بشكل إيجابي على حياته اليومية.
*الرسم كعلاج نفسي
تقول ابراهيم إن الرسم بديل عن لغة التعبير عند الطفل، خاصة بالجانب التحليلي للشخصية، إذ إنه طريقة تسمح بتحريك اللاشعور الطفلي، وتسمح بالتعبير بنفس مستوى اللغة عند الراشد وقد استُخدمت الرسومات في العلاجات النفسية للطفل بنفس المستوى الذي تُستخدم فيه التقنيات الأخرى (كاللعب واستعمال الدمى) فهذا النشاط يسمح بتوظيف الأحاسيس والمشاعر والتمثلات النفسية، وهو أيضاً أداة مهمة عند أطباء و اختصاصيي علم النفس كشفت لهم عن جوانب وأسباب بعض الحالات وهناك أمثلة عديدة على ذلك من مثل” غاردنر” الذي ركّز في دراسته على اهتمامات الطفل الذي يحاول من خلال القلم والألوان، الكشف عن أحاسيسه وعالمه الخارجي مبيناً بذلك العلاقة الموجودة بين الرسم و معيشة الطفل ومحيطه وتأثيراته الجانبية على شخصيته.
أما الدكتور”ويد لوشر” فكان له الفضل في إبراز ثلاث قيم لرسوم الأطفال هي: القيمة التعبيرية، القيمة الإسقاطية، والقيمة القصصية، حيث قام بتحليل الرسم كما تُحَلّل الأحلام، وهي تقنية أضافت الكثير في تأويلات رسوم الأطفال ،أي أننا نستطيع القول إن الرسم هو الأداة الأولى و الأصدق للغة عند الأطفال، وكذلك عند البالغين أيضاً فالخطوط وطريقة البناء وتوزيع العناصر بالفراغ، والألوان المنتقاة، والأسلوب، والمواضيع المختارة تكشف لنا الكثير عن الشخصية والشرح يطول لأنه مجال واسع جداً.
* مقيد في الصف
تعتبر ابراهيم أن منهاج الرسم المدرسي مقيَّد بمواضيع معينة، ومكرر على مدار السنوات كعيد المعلم وعيد الأم وعيد الفطر أو شهر رمضان وما إلى هنالك وهذا أبعد ما يمكن عن الفن كرسالة وكوسيلة، لأن الرسم يجب أن يكون حراً وممتعاً وفسحة تنفس، وقدرة على التعبير ببعض المراحل العمرية، ليكشف عن حالات نفسية، وبيئة محيطة بالطالب، وعن حياته الاجتماعية، وما يتعرض له من قصص الحياة، ليتم التوجيه والإرشاد النفسي بمراحل مبكرة.
*عندما تظهر الموهبة
برأي ابراهيم عندما يرتقي الرسم للشغف والحب عند بعض الطلاب، أي بمعنى موهبة فمن المفترض الاهتمام والتوجيه الصحيح وإلحاقهم بالمراكز الفنية أو تحت إشراف فنان معين، ولمن لا يستطيع هناك مواقع متعددة على الانترنت تتنوع أساليبها وطرقها في تعليم الرسم، يمكن الاستعانة بها كبديل مؤقت قبل مرحلة الدراسة الأكاديمية للفن، أما ما يؤخذ علينا هنا بأن هناك شريحة كبيرة من المجتمع تأتي بمحاولات محبِطة لهذا الاتجاه وتُطالب أن يكون الرسم ثاني أو ثالث أو آخر الاهتمامات، لكن غالباً ما يتجه الشغوف والموهوب محارباً إلى وجهته وخصيصاً في الفن بكل أنواعه.
أخيراً نحن كائنات تحب التعبير عن أحاسيسها بطرق مختلفة، لكن يبقى الرسم الأداة الأمثل للتعبير عن مكنونات الصدر، فتمتلئ المساحة البيضاء بالبوح والأسرار لاشعورياً، هو حب وشغف وأداة تعبير وتفاعل وتأثير في المجتمع حيث يترك المبدع رسالته ليتغنى بها العالم على مر العصور كما حال الموسيقا والسينما والكتابة والشعر.